وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي توفي عام ١٧٠ هـ لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد(٣٠)، وهو الذي توفي عام ٣٢٤ هـ.
ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءاً من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع قراءات قرأ بها النبي - ﷺ - وتلقاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لم يتيسر من يجمعها بعد ـ أي في زمن الخليل ـ وأنها لدى جمعها وضبطها ترتد إلى سبعة مناهج، وفق حديث النبي - ﷺ -: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف".
وهذا الفهم لرأي الخليل هو اللائق بمكانته ومنزلته العلمية، وهو المتصور في ثقافته ومعارفه زماناً ومكاناً، وبه تدرك أنه لم يكن يجهل أن عصر الأئمة متأخر عن عصر التنزيل وهو أمر لا يجهله أحد.
وكذلك أشير هنا إلى رأي شيخ المفسرين الإمام الطبري(٣١) الذي كان يرى أن الأحرف السبعة منهج في الإقراء أذن به النبي - ﷺ - زمناً ثم نسخه قبل أن يلقاه الأجل، وهكذا فقد مات النبي - ﷺ - وليس بين الناس إلا حرف واحد، وأن هذه القراءات المتواترة اليوم مهما بلغت كثرة إنما تدور ضمن هذا الحرف الواحد الذي أذن النبي - ﷺ - بالإقراء والرواية به(٣٢).
ومن أدلته على نسخ الأحرف السبعة أنها لو كانت قرآناً باقياً لم تكن لتخفى عن الأمة بعد أن تعهد الله سبحانه بحفظ كتابه العظيم في قوله: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾، وكذلك حصول الاختلاف في فهمها، وتحديد المراد بها، وقد قال الله سبحانه: ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً﴾.