وقد أنكر الزمخشري في الكشاف ذلك كله، وقال إنهم قالوا ذلك لفساد عقيدتهم ونصه في ذلك: إن الله ما وصفهم بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم أتبعه قوله: إذ قالوا، فآذن أن دعواهم كانت باطلة وأنهم كانوا شاكين، وقولهم: (هل يستطيع ربك) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم(٧٩٤).
وثمرة الخلاف: أن المؤمن قد يسأل الله سبحانه وتعالى بعض آيات قدرته وهو مؤمن، ليزداد إيماناً، ولا يطعن ذلك في شيء من إيمانه، وقد سبق إلى ذلك الخليل إبراهيم والحواريون الكرام.
ودلت قراءة الجمهور على جواز سؤال الله عز وجل آياته بلفظ الاستطاعة، وهو ما قرره ابن العربي القاضي المالكي المفسر حيث ادخل اسم المستطيع في أسماء الله تعالى وقال: لم يرد به كتاب ولا سنة اسماً، ولكن ورد فعلاً(٧٩٥)، وذكر قول الحواريين ﴿هل يستطيع ربك﴾. وذلك على اختيار القرطبي في تفسيره، بأن ذلك لم يصدر من الحواريين عن جهل بالله عز وجل، بل عن علم ومعرفة، ولم ينكر الذكر عليهم سؤالهم وهي مسألة اعتقاد لا تختلف فيها الشرائع.(٧٩٦)
وأما قراءة الكسائي فلا تدل على هذا المعنى وغايتها إضمار ما عادته الإظهار أي هل تستطيع أن تدعو ربك.
وكما ترى فإن القراءتين أفادتا معنيين مختلفين ولكنهما غير متنافرين، والله تعالى أعلم.
------------
(٧٧٨) سورة المائدة ١١٢
(٧٧٩) ويجدر التنويه هنا أن الكسائي أدغم اللام في التاء: هل تَّستطيع، وهو وجه في القراءة والأداء لا يؤثر على المعنى. انظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص ٢٤٩
(٧٨٠) سراج القاري لابن القاصح العذري ص ٢٠٥. وعبارة الشاطبي:
وخاطب في هل يستطيع رواته وربك رفع الباء بالنصب رتلا
وانظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص ٢٤٩