وكذلك فقد رد الشافعية على من استدل بما في القرآن من القسم بالمخلوقين، قال البكري: (ولا يرد على ذلك أنه ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى، كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لأنه على حذف مضاف، أي: ورب الشمس مثلاً، وإن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد سبحانه تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك)(١٤٩٩).
واكتفى الحنفية بأن نصوا على عدم انعقاد اليمين بغير الله، من دون إشارة إلى التأثيم في ذلك، قال القدوري الحنفي في الكتاب: (ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً، كالنبي والقرآن والكعبة)(١٥٠٠).
وقال ابن قدامة في المغني: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحنث(١٥٠١).
وردّ ابن قدامة على استدلال الأولين بالأيمان في القرآن بقوله: (فأما قسم الله بمصنوعاته فإنما أقسم به دلالة على قدرته وعظمته، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، ولا وجه للقياس على إقسامه. وقد قيل: إن في إقسامه إضمار القسم برب هذه المخلوقات، فقوله: ﴿والضحى﴾ أي ورب الضحى.
وأما قول النبي - ﷺ -: "أفلح وأبيه إن صدق" فقال ابن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة من وجه صحيح، فقد رواها مالك وغيره من الحفاظ فلم يقولوها فيه، وحديث أبي العشراء قد قال أحمد: لو كان يثبت، ولهذا لم يعمل به الفقهاء في إباحة الذبح في الفخذ، ثم لو ثبت فالظاهر أن النهي بعده لأن عمر قد كان يحلف بها كما قد حلف بها النبي - ﷺ - ثم نهى عنها، ولم يرد بعد النبي إباحته(١٥٠٢).
ولكن سائر ما قدمه المعترضون لا ينهض حجة في وجه القراءة المتواترة، إذ هي أقوى دليلاً من ذلك كله، وبها يستدل لا عليها، إذ قد ثبت قطعا تواترها إلى المعصوم - ﷺ - إلى الروح الأمين، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.