وأجود الأقوال في الجمع بين النصوص قول من قال: إن الآية لم تأت في القسم بغير الله وإنما أتت في التساؤل بغير الله، والتساؤل غير القسم، وهو كقولهم: أسألك بالله وبالرحم، فهي استعطاف وليس يميناً(١٥٠٣).
وقد وردت هذه الأقوال عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري، كما حرر أقوالهم السيوطي في الدر المنثور(١٥٠٤).
قال القشيري في الإنكار على من رد قراءة حمزة: (ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي - ﷺ - تواتراً يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي - ﷺ - فمن رد على ذلك رد على النبي - ﷺ - واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، فإن العربية تتلقى من النبي - ﷺ -، ولا يشك أحد في فصاحته.. ثم إن النهي إنما جاء في الحلف بغير الله، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحمن فلا نهي فيه)(١٥٠٥).
ثمرة الخلاف: إن كلا من القراءتين المتواترتين أفاد حكماً جديداً جديراً بالاعتبار.
فقراءة حمزة أفادت جواز التساؤل بالرحم، والاستعطاف بالآباء، وهو قول مروي عن ابن عباس ومجاهد بن جبر وإبراهيم النخعي والحسن البصري وغيرهم. وهو معنى يتصل بتعظيم الرحم والنهي عن قطيعتها.
وقراءة الجمهور أفادت وجوب تقوى الله في صلة الأرحام، وهو أصل من أصول الدين تضافرت في الدلالة عليه الآيات والآثار.
وهل جواز التساؤل بغير الله والاستعطاف بالآباء والأرحام أمر تكويني أم أمر تكليفي؟..
ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر دل على أنه من باب ما أقره الشارع، إذ الدواعي متوافرة لإنكاره لو كان يستوجب الإنكار.
ولم يتعرض الإمامان الجليلان الرازي الجصاص وابن العربي إلى اختلاف القراءة في هذه الآية، وقد أوردا أحكامها وفق قراءة النصب لا غير.(١٥٠٦)
------------
(١٤٧٠) سورة النساء ـ١ -