وليس يشترط أن يعاصر الراوي شيخه القارئ بل يكفي أن يكون متأخراً عنه في الزمن، وكثير من الرواة أخذوا عن الأئمة القراء بأسانيد، وأسانيدهم محفوظة معتمدة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القارئ الإمام قد يروي له مئات من طلبة العلم، ومذهب القراء في ذلك أن ما نقله الراويان المعتمدان هو القراءة المتواترة المشروعة، أما ما رواه عنهم غيرهما فإنه لا يخلو أن يكون موافقاً للراويين أو لأحدهما أو مخالفاً لهما.
فإن كان موافقاً لهما أو لأحدهما ـ وهو الغالب ـ فهي الرواية عينها وليس عليها اعتراض، والأليق هنا أن تنسب إلى الراوية الأصل دفعاً للالتباس.
وإن كان النقل مخالفاً لأداء كل من الراويين ـ وهو نادر فيما روي عن الثقات ـ فإنه حينئذ يدرج في القراءة الشاذة، ولا محمل محل القراءة المتواترة، بل هو من وهم الرواة.
وهذا التأليف الذي قدمناه يحل الإشكال الذي طرحه بعض القراء حول الإنكار على الاقتصار على الراويين فيما يروى عن الأئمة القراء، ومن هؤلاء أبو حيان الأندلسي المفسر.
الطريق:
والطريق هو الإسناد الذي تحدرت منه الروايات من الأئمة الرواة إلى زماننا هذا، فكل إسناد طريق، ولا يخفى هنا أن لكل قراءة يقرأ بها الناس اليوم أكثر من ألف طريق، ومن يستطيع عد ذلك أو حصره؟ وهو إنما يكثر كل يوم، إذ كلما أتقن قارئ وتصدر للإقراء صار إسناده طريقاً لمن بعده، ولكن غلب إطلاق الطرق على القراء الذين تلقوا عن الرواة مباشرة في الطبقة الأولى كما وضحته الجداول.
ولكن هذه الكثرة الكاثرة لن تحول دون اعتماد بعض الأئمة القراء معالم في الطريق، والركون إلى اختياراتهم ومناهجهم، وأن يتبرك الناس ببلوغهم في الأسانيد، تارة بغرض الاستيثاق وتارة بغرض البركة.