وفوائد هذا النوع كثيرة، (منها) معرفة الحكمو الباعثة على تشريع الحكم، (ومنها) الإطلاع على المعنى المراد من الآية وإزالة الإشكال، (ومنها) أن معرفة سبب النزول طريق قوي إلى فهم معانى الآيات، فإن العلم بالسبب يوجب العلم بالمسبب.
واعلم أن سبب النزول هو ما ورد بسند متصل عن صحابي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يرفعه ولكنه لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع.
ومثال ما عرف سببه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ إلى آخر عشر آيات فى سورة النور، وتسمى آيات الإفك، وآيات البراءة، فإنها نزلت فى المنافقين الذين افتروا على السيدة عائشة رضي الله عنها، كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما.
وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية فى سورة البقرة، فإن سبب نزولها تحرج بعض المؤمنين عن السعي، لأن الكفار كانوا يفعلونه، فنزلت مبينة أنه لا حرج فيه على المؤمنين، با هو من أعمال الحج والعمرة.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ لو نظر فيه لمجرد اللفظ لجاز أن يصلي المسلم إلى أيّة جهة دون تقيد باستقبال الكعبة، ولكنه لو عرف سبب النزول علم أن استقبال الكعبة فرض فى كل صلاة، كما أمر الله تعالى بقوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
أما سبب نزول هذه الآية فهو أن اليهود قالوا: إن محمدا إنما ترك استقبال بيت المقدس واستقبل الكعبة تبعا لهواه فسفههم الله تعالى ببيان أن لله المشرق والمغرب، فله أن يأمر باستقبال أية جهة فى الأرض، وقد أمره باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس ولا محيد عن حكم الله وطاعته، فالقبلة له ولأمته هي تالكعبة لا غيرها إلى قيام الساعة.
(الدرس العاشر): فى المتواتر والمشهور والآحاد والشاذ من القراآت