في نحول هذه الأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدرًا معه؛ وذلك كقول الشاعر :
رَجْلانِ من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا١
فهو عندنا نحن على : قالا : إنا رأينا، وعلى قولهم لا إضمار قول هناك؛ لكنه لما كان أخبرانا في معنى قالا لنا؛ صار كأنه "٢٢و" : قالا لنا، فأما على إضمار قالا في الحقيقة فلا.
وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما نقدره من القول؛ فصار قاطعًا على أنه مراد فيما يجري مجراه.
وكذلك قوله :
يدعون عنترُ والرماح كأنها٢
فيمن ضم الراء من عنتر؛ أي : يقولون : يا عنتر، وكذلك من فتح الراء، وهو يريد : يا عنترة.
وكذلك ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾٣ أي : يقولون، وقد كثر حذف القول من الكلام جدًّا.
ومن ذلك قال ابن مجاهد : قال عباس : سألت أبا عمرو عن ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ﴾ فقال : أهل الحجاز يقولون :"يعلِّمُهم ويلْعَنُهم"٤ مثقلة، ولغة تميم :"يُعْلِمْهم ويلْعَنْهم.
قال أبو الفتح : أما التثقيل فلا سؤال عنه ولا فيه؛ لأنه استيفاء واجب الإعراب؛ لكن من حذف فعنه السؤال، وعلته توالي الحركات مع الضمات، فيثقل ذلك عليهم فيخففون بإسكان حركة الإعراب، وعليه قراءة أبي عمرو :"فَتُوبُوا إِلَى بَارِئْكُمْ"٥ فيمن رواه بسكون الهمزة. وحكى أبو زيد :"بَلَى وَرُسُلْنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ"٦ بسكون اللام.
وأنشدنا أبو علي لجرير :
٢ عجزه :
أشطان بئر في لبان الأدهم
والبيت من معلقته. والأشطان جمع الشطن بالتحريك؛ وهو الحبل الذي يُستقى به، واللبان : الصدر، والأدهم : الأسود؛ يعني فرسه. وانظر : شرح المعلقات السبع : ١٥٢.
٣ سورة الرعد : ٢٣.
٤ سورة البقرة : ١٢٩، ١٥٩.
٥ سورة البقرة : ٥٤.
٦ سورة الزخرف : ٨٠.