اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ}١ أي : عرفتم، وتكون "مَن" بمعنى الذي؛ أي : ليُعرف الذي يتبع الرسول، ولا تكون "مَن" هاهنا استفهامًا؛ لئلا يكون الكلام جملة، والجمل لا تقوم مقام الفاعل؛ ولذلك لم يجيزوا أن يكون قوله٢ :"هذا باب علم ما الكلم" أي : أي شيء الكلم، وعلم في معنى : أن يُعلَم، وقد ذكرنا ذاك هناك.
ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر وعاصم الجحدري وأبي رجاء بخلاف :"وإلَه أَبِيكَ"٣ بالتوحيد.
قال أبو الفتح : قول ابن مجاهد بالتوحيد لا وجه له؛ وذلك أن أكثر القراءة :﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ جمعًا كما ترى، فإذا كان أبيك واحدًا كان مخالفًا لقراءة الجماعة؛ فتحتاج حينئذ إلى أن يكون أبيك هنا واحدًا في معنى الجماعة، فإذا أمكن أن يكون جمعًا كان كقراءة الجماعة، ولم يحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع الجماعة، وطريق ذلك أن يكون "أبيك" جمع أب على الصحة، على قولك للجماعة : هولاء أبون أحرار؛ أي : آباء أحرار، وقد اتسع ذلك عنهم. ومن أبيات الكتاب :
فلما تبين أصواتنا بكين وفدَّيْنَنَا بالأبينا٤
وقال أبو طالب :
ألم ترَ أني بعد همٍّ هممته لفرقة حرمن أبين كرام٥
وقال الآخر :
فهو يُفَدَّى بالأبين والخالْ٦
٢ يريد : سيبويه في أول كتابه.
٣ سورة البقرة : ١٣٣.
٤ لزياد بن واصل السلمى. الكتاب : ٢/ ١٠١، والخزانة : ٢/ ٢٧٥. واللسان "أبي".
٥ الخزانة : ٢/ ٢٧٥.
٦ أورده اللسان في "أبي" غير منسوب، وجعل صدره :
أقبل يهوي من دوين الطربال
وفي "طربل" يقول : قال دكين :
جتى إذا كان دوين الطربال رجعن منه بصهيل صلصال
مطهر الصورة مثل التمثال
ومن معاني الطربال : المنارة، والصومعة، والهدف المشرف. ويروى :"مطهم" مكان "مطهر".