وقال :
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عَرْمضُها طام١
الأَمُّ : القصد، ومثله الأَمْتُ، ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد، والإمام أيضًا : خيط البنَّاء؛ لأنه يمده ويعتمد بالبناء عليه، والأُمَّة : الطريقة لأنها متعمدة، قال الله سبحانه :﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾٢ أي : على طريقة مقصودة.
ومن ذلك قراءة الزهري :"إلا أن تَغْمُضُوا فيه"٣ بفتح التاء من غمض، ورُوي أيضًا :"تُغَمِّضُوا فيه" مشددة الميم، وقرأ قتادة :"إلا أن تُغْمَضُوا فيه" بضم التاء وفتح الميم.
قال أبو الفتح : أما قراءة العامة؛ وهي :﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ فوجهها أن تأتوا غامضًا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه، فأغمض على هذا : أتى غامضًا من الأمر، كقولهم : أعمن الرجل : أتى عَمان، وأعرق : أتى العراق، وأنجد : أتى نجدًا، وأغار : أتى الغور. واختيار الأصمعي هنا غار، وليس هذا على قول الأصمعي أتى الغور، وإنما هو غار؛ أي : غمض وانشام٤ هناك، كقولك : ساخ وسرب، ولو أراد معنى صار إلى هناك لكان أغار، كما قال :
نَبِيٌّ يرى ما لا تَرون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا٥
ورواية الأصمعي : غار، على ما مضى، وليس المعنى على ما قدمنا واحدًا.
وأما "تُغْمَضُوا فيه" فيكون منقولًا من غَمَض هو وأغمضه غيره، كقولك : خفي وأخفاه غيره، فهو كقراءة مَن قرأ :"أن تَغْمُضُوا فيه"، ولم يذكر ابن مجاهد هل الميم مع فتح التاء مكسورة أو مضمومة، والمحفوظ في هذا غَمَض الشيء يغمُض، كغار يغور، ودخل يدخُل، وكمن يكمُن، وغرب يغرُب.
والمعنى : أن غيرهم يُغْمِضُهم فيه من موضعين :
أحدهما : أن الناس يجدونهم قد غَمَضُوا فيه، فيكون من أفعلت الشيء وجدته كذلك، كأحمدت الرجل : وجدته محمودًا، وأذممته : وجدته مذمومًا، ومنه قوله :
وقومٍ كرامٍ قد نقلنا قِرَاهمُ إليهم فأَتلفنا المنايا وأتلفوا٦
٢ سورة الزخرف : ٢٣.
٣ سورة البقرة : ٢٦٧.
٤ انشام في الشيء : دخل.
٥ للأعشى يمدح النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر : الديوان : ١٣٥.
٦ للفرزدق. ويروى :"وأضياف ليل قد نقلنا". وانظر : الديوان : ١/ ٥٦١.