أي : وجدناها مُتْلِفة.
وقوله :
فمضى وأخاف من قُتَيلة موعِدا١
أي : صادفه مخلفًا.
وقول رؤبة :
وأهيج الخلطاء من ذات البرق٢
أي : صادفها مهتاجة النبت.
ومنه قوله الله تعالى :﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾٣ أي : صادفناه غافلًا، ولو كان أغفلنا هنا منقولًا من غفل - أي : منعناه وصددناه - لكان معطوفًا عليه بالفاء "فاتَّبَعَ هواه".
وذلك أنه كان يكون مطاوعًا، وفعل المطاوعة إنما يكون معطوفًا بالفاء دون الواو، وذلك كقوله : أعطيته فأخذ، ودعوته فأجاب، ولا تقول هنا : أعطيته وأخذ، ولا دعوته وأجاب، كما لا تقول : كسرته وانكسر، ولا جذبته "٣٠ظ" وانجذب؛ إنما تقول : كسرته فانكسر، وجذبته فانجذب، وهذا شديد الوضوح والإنارة على ما تراه.
وكذلك لو كان معنى أغفلنا في الآية منعنا وصددنا لكان معطوفًا عليه بالفاء، وأن يقال : ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه٤، وإذ لم يكن هكذا، وكان إنما هو "واتبع" فطريقه أنه لما قال :"أغفلنا قبله عن ذكرنا" فكأنه قال : وجدناه غافلًا، وإذا وُجد غافلًا فقد غفل لا محالة، فكأنه قال إذن : ولا تطع من غفل قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا؛ أي : لا تطع مَن فعل كذا، يعدد أفعاله التي توجب ترك طاعة الله سبحانه، ونسأل الله توفيقًا من عنده ودُنُوًّا من مرضاته بمنِّه ومشيئته، فهذا أحد وجهي "تُغْمَضُوا فيه"؛ أي : إلا أن توجدوا مُغْمِضين متغاضين عنه.
والآخر : أن يكون "تُغْمَضُوا فيه" أي : إلا أن تُدخلوا فيه وتُجذبوا إليه، وذلك الشيء الذي يدعوهم إليه، ويحملهم عليه هو : رغبتهم في أخذه ومحبتهم لتناوله، فكأنه - والله أعلم -
أثوى وقصر ليله ليزودا
وروي : فمضت وأخلف. أثوى بالمكان : أقام، لغة في ثوى. وانظر : الديوان : ٢٢٧، واللسان : أخلف، وثوى.
٢ الخلصاء : أرض بالبادية، والبرق : جمع برقة؛ أرض غليظة مختلطة بحجارة ورمل. وانظر : الديوان : ١٠٥، واللسان : هيج، ومعجم البلدان.
٣ سورة الكهف : ٢٨.
٤ لا يخفى ما فيه من التَّكْرَارِ مع ما قبله.