ضُمنه كتابنا الخصائص وسَمتُه : باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني١؛ وذلك أن التوراة من لفظ ورى، والإنجيل من لفظ ن ج ل، والفرقان من ف ر ق، والتوارة فوعلة، والإنجيل إفعيل، والفرقان فُعلان. فالأصول مختلفة والمباني كذلك، والمعاني واحدة ومعتنقة، وكلها للإظهار والإبراز والفرق بين الأشياء، أفلا ترى إلى هذه الحكمة الممرور بها، الواطئة الأقدام عليها، المسهو لعادة الدعة وقلة المراعاة والمراجعة عنها؟
وفي كل شيء له شاهد يدل على أنه واحد٢
ونظائره تكاد تكون أكثر من الرمل، منه قولهم للمسك : صِوَار، فأصلاهما مختلفان : هذا من م س ك، وهذا من ص و ر، ومثالاهما كذلك؛ لأن مِسْكًا فِعْلٌ، وصِوَار فِعَال، ومعنياهما واحد؛ وذلك لأنه سمي مسكًا لأنه بطيب رائحته يمسك الحس عليه استلذاذًا له، وصِوَار من صار يصور إذا عطف وجمع فأمسكت الشيء وعطفته وجمعته شيء واحد، ومنه قولهم : سحاب، قيل له ذلك كما قيل له حَبِيّ، فهذا من ح ب و، وهذا من س ح ب، وسحاب فَعال، وحبي فعيل، فالأصلان مختلفان، والمثالان اثنان، والمعنيان واحد، وذلك أنه لثقله ما٣ ينسحب على وجه الأرض، وكذلك ما يحبو عليها، قالت امرأة "٣٤و" تصف غيثًا :
وأقبل يزحف زحف الكسير كأن على عضديه رِفَاقا٤
وقال أوس٥ أو عبيد :
دانٍ مسفٌ فويق الأرض هَيْدبُه يكاد يدفعه مَن قام بالرَّاح
واللطيف الحسن الجميل كثير؛ لكن أين لك بالمحسن المستثير؟ فهذا حديث هذا المثال الذي هو الإنجيل، وأما فتحه فغريب؛ ولكنه الشيخ أبو سعيد - نضر الله وجهه ونوَّر ضريحه - ونحن نعلم أنه لو مر بنا حرف لم نسمعه إلا من رجل من العرب لوجب علينا تسليمه له إذا أُونست فصاحته، وأن نَبْهأَ٦ به، ونتحلى بالمذاكرة بإعرابه، فكيف الظن بالإمام في فصاحته وتحريه وثقته؟ ومعاذ الله أن يكون ذلك شيئًا جنح فيه إلى رأيه دون أن يكون أخذه عمن
٢ لأب العتاهية. ويُروى :"آية" مكان "شاهد". الديوان : ٧٠.
٣ ما زائدة.
٤ الرفاق : حبل يشد من الوظيف إلى العضد. وقد أورد اللسان "رفق" هذا البيت دون أن ينسبه.
٥ يريد أوس بن حجر، ويرويه بعضهم لعبيد بن الأبرص، هيدب السحاب : ما تهدب منه، أراد الودق ينصب كأنه خيوط متصلة. سمط اللآلي : ٤٤١، والخصائص : ٢/ ١٢٦، واللسان "هدب".
٦ نهبأ : نأنس.