وظُلُمة، وجُمْعَة وجُمُعَة، ويجوز أن يكون جَمَع رُمْزَة على رُمْز، ثم أتبع الضم الضم، كما حكى أبو الحسن عن يونس أنه قال : ما سُمع في شيء فُعْل إلا سُمع فيه فُعُل، وعليه قول طرفة :
وِرَادًا وشُقُر١
يريد : شُقْرًا.
ومن ذلك قراءة إبراهيم وأبي بكر الثقفي :"الْحَوَارِيُون"٢ مخففة الياء في جميع القرآن.
قال أبو الفتح : ظاهر هذه القراءة يوجب التوقف عنها والاحتشام منها؛ وذلك لأن فيها "٣٦ظ" ضمة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها، وهذا موضع تعافه العرب وتمتنع منه.
ألا ترى إلى قول الله سبحانه :﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾٣ وأصله العاديُون، فاستثقلت الضمة على الياء، فأسكنت وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها؟ فكان يجب على هذا أن يكون الحوارُون كالقاضُون والساعون، إلا أن هنا غرضًا وفرقًا بين الموضعين يكاد يقنع مثله؛ وذلك أن أصل هذه الياء أن تكون مشددة، وإنما خففت استثقالًا لتضعيف الياء، فلما أريد فيها معنى التشديد جاز أن تُحَمَّل الضمة تصورًا لاحتمالها إياها عند التشديد، كما ذهب أبو الحسن في تخفيف يستهزيون إلى أن أخلص الهمزة ياء ألبتة، وحَمَّلها الضمة تذكُّرًا لحال الهمز المراد فيها، وكما قال في مثال عضْرَفُوط٤ من قرأت : قَرْأَ يُوء، فأبدل الهمزة الثانية التي كانت في قَرْأَءُوء ياء، ثم ضمها بعد أن أخلصها ياء وجرت مجرى الياء التي لا حظَّ فيها لشيء من الهمز.
فإن قيل : فأي الياءين حذف من الحواريين؟
قيل : المحذوفة هي أشبهها بالزيادة، وهي الأولى؛ لأنها بإزاء ياء العطاميس٥ والزناديق.
فإن قيل : فبالثانية وقع الاستثقال، فهلَّا حذفت دون الأولى؟

١ البيت بتمامه :
أيها الفتيان في مجلسان جردوا منها ورادا وشقر
جردوا الخيل : ألقوا عنها جلالها وأسرجوها استعدادًا للقتال، وراد : جمع ورد؛ وهو من الخيل ما كان بين الكميت والأشقر، الشقر : جمع أشقر؛ وهو من الدواب الأحمر. الديوان : ٨٢.
٢ سورة آل عمران : ٥٢.
٣ سورة المؤمنون : ٧، وفي الأصل :"وأولئك"، وهو تحريف.
٤ العضرفوط : دويبة بيضاء ناعمة، ويقال : العضرفوط : ذكر العِظاء.
٥ العطاميس : جمع عطموس بضم العين وسكون الطاء؛ وهي الناقة الهرمة.


الصفحة التالية
Icon