ثم لا أُبْعدُ من بَعْدُ أن تكون الحاء لكونها حرفًا حلقيًّا يفتح ما قبلها كما تفتح نفسها فيما كان ساكنًا من حروف الحلق، نحو قولهم في الصخْر : الصخَر، والنعْل : النعَل. ولعمري، إن هذا عند أصحابنا ليس أمرًا راجعًا إلى حرف الحلق؛ لكنها لغات، وأنا أرى في هذا رأي البغداديين في أن حرف الحلق يؤثر هنا من الفتح أثرًا معتدًّا معتمدًا؛ فلقد رأيت كثيرًا من عقيل لا أحصيهم يحرك من ذلك ما لا يتحرك أبدًا لولا حرف الحلق، وهو قول بعضهم : نَحَوَه، يريد : نَحْوه، وهذا ما لا توقف في أنه أمر راجع إلى حرف الحلق؛ لأن الكلمة بنيت عليه ألبتة، ألا ترى أن لو كان هذا هكذا لوجب أن يقال : نحاة؛ لأنه فَعَلٌ مما لامُه واو، فيجري مجرى عصاة١ وفتاة.
نعم، وسمعت الشجري يقول في بعض كلامه : أنا مَحَموم، بفتح الحاء. وقال مرة وقد رسم له الطبيب أن يمص التفاح ويرمي بثُفْله فلم يفعل ذلك، فأنكره الطبيب عليه، فقال : إني لأبغي مصه وعِلْيَته تَغَذُو، يريد : تَغْذُو، ولا قرابة بيني وبين البصريين؛ لكنها بيني وبين الحق، والحمد لله، ويكون فتح الحاء من القَرَح لها ما قبلها كفتحها لها عين الفعل المضارع٢، نحو : يسنَح ويسفَح ويسمَح.
ويُؤنِّس بذلك أن هذه الحروف حلقية، فضارعت بذلك الألف التي لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وهذا قدر ما يتعلَّل به، إلا أن الاختيار أن تكون "القَرَح" لغة.
ومن ذلك قراءة إبراهيم :"مِنْ قَبْلِ أَنْ تُلاقُوه"٣.
قال أبو الفتح : وجه ذلك أنك إذا لقيتَ الشيء فقد لقيَك هو أيضًا، فلما كان كذلك دخله معنى المفاعلة؛ كالمضاربة والمقاتلة، وقد جاء ذلك عينه في هذه "٣٨و" اللفظة عينها، قالت امرأة :
هل الَّا الموت يغلي غاليهْ مختلطًا سافله بعاليهْ
لا بد يومًا أنني ملاقيهْ٤
فأما ما قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد من قوله :
فارقَنا قبل أن نفارقه لما قضى من جماعنا وطَرا٥
٢ يريد : أن فتح الحاء ما قبلها لأجلها وبسببها....
٣ سورة آل عمران : ١٤٣، وهي أيضًا قراءة الزهري. البحر المحيط : ٣/ ٦٧.
٤ رُوي :"ما هو الا" مكان "هل الا"، وانظر : الخصائص : ٢/ ٣٦٤.
٥ البيت للربيع بن ضبع الفزاري. النوادر : ١٥٩.