ولو ذهب به ذاهب إلى ما أذكره لم أرَ به بأسًا؛ وذلك أنه كأنه كسَّر آيِم فاعِل على فَعْلى، وهو أَيْمَى، من حيث كانت الأَيْمَة بليَّة ندفع إليها، فجرى مجرى هالك وهلكى، ومائد وميدى١، وجريح وجرحى، وزمن وزمنى، وسكران وسكرى، ثم كُسرت أيمى على أيامى، فوزن أيامى الآن على هذا فَعالى، ولا قلب فيها.
وأنت إذا سلكت هذه الطريق أحرزت غنمين، وكُفيت مئونتين :
إحداهما : أن تكون الكلمة على أصلها لم تقلب ولم يغير شيء من حروفها، والآخر : أنه لو كان الأصل "أيائم" لجاز؛ بل كان الوجه أن يُسمع؛ وإنما المسموع أيامى كما ترى، فاعرف ذلك، "فالييامى" على هذا القول فعالى، تكسير أَيْمَى على فَعْلَى، كهَلْكَى.
وعلى القول الآخر فيالِع.
ومما كُسِّر على فَعْلى ثم كسرت فعلى على فَعالى ما رويناه عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى في أماليه من قول بعضهم :
مثل القتالى في الهشيم البالي٢
فهذا تكسير قتيل على قَتْلى، ثم قَتْلى على قَتَالى.
ومن ذلك قراءة عاصم الجحدري :"أَنْ يَصَّلِحَا"٣.
قال أبو الفتح : أراد : يصطلحا أي يفتعلا، فآثر الإدغام فأبدل الطاء صادًا، ثم أدغم فيها الصاد التي هي فاء، فصارت يصَّلحا، ولم يجز أن تبدل الصاد طاء لما فيها من امتداد الصفير، ألا ترى أن كل واحد من الطاء وأختيها والظاء وأختيها يُدغمن في الصاد وأختيها، ولا يدغم واحدة منهن في واحدة منهن؟ فلذلك لم يجز "إلا أن يَطَّلحا"، وجاز "يصَّلحا".

١ المائد : من أصابه غثيان من سُكْر أو ركوب بحر.
٢ لمنظور بن مرثد، وقبله :
فظل لحمًا تربَ الأوصال
وانظر : اللسان "قتل".
٣ سورة النساء : ١٢٨. وقراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف :﴿يُصْلِحَا﴾ بضم الياء وإسكان الصاد وكسر اللام من غير ألف من أصلح، ووافقهم الأعمش، وقراءة الباقين بفتح الياء والصاد مشددة وبألف بعدهما وفتح اللام، على أن أصلها : يتصالحا. إتحاف فضلاء البشر : ١١٧.


الصفحة التالية
Icon