ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن في رواية عطاء عنه وقراءة عاصم الجحدري أيضًا :"وملائكتِه وكتابِه" على التوحيد.
قال أبو الفتح : اللفظ لفظ الواحد والمعنى معنى الجنس؛ أي : وكتبه، ومثله قوله سبحانه ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ "٤٧و" أي : كتبنا، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾، وقال تعالى :﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾، فلكل إنسان كتاب، فهي جماعة كما ترى، وقد قال :﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾.
ووقوع الواحد موقع الجماعة فاشٍ في اللغة، قال الله تعالى :﴿نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ أي : أطفالًا، وحَسَّن لفظ الواحد هنا شيء آخر أيضًا؛ وذلك أنه موضع إضعاف للعباد وإقلال لهم، فكان لفظ الواحد لقلته أشبه بالموضع من لفظ الجماعة؛ لأن الجماعة على كل حال أقوى من الواحد، فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة عبد الله بن أبي إسحاق ١ والأشهب العقيلي :"يُرَءُّون الناس"، مثل يُرَعُّون، والهمزة بين الراء والواو من غير ألف.
قال أبو الفتح : معناه يُبصِّرون الناس، ويحملونهم على أن يروهم يفعلون ما يتعاطونه، وهي أقوى معنى من "يُراءُون" بالمد على يفاعِلون؛ لأن معنى يراءونهم يتعرضون لأن يروهم، و"يُرَءُّونهم" يحملونهم على أن يروهم.
قال أبو زيد : رأت المرأة الرجل المرآة إذا أمسكتها له ليرى وجهه، ويدلك على أن يرائي أضعف معنى من يُرَئِّي قوله :
تَرَى أو تُرَاءَى عند معقد غرزها تهاويل من أجلاد هِرٍّ مووَّم٢
قال أبو الفتح : ارتفاع هذا على الظاهر الذي لا نظر فيه؛ وإنما الكلام في "المقيمين" بالياء، واختلاف الناس فيه معروف، فلا وجه للتشاغل بإعادته؛ لكن رفعه في هذه القراءة يمنع من توهمه مع الياء مجرورًا؛ أي : يؤمنون بما أَنزل إليك وبالمقيمين الصلاة، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة إبراهيم :"وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى" اسم الله نصب.
قال أبو الفتح : يشهد لهذه قوله - جل وعز - حكاية عن موسى :﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾، وغير من الآي "٤٧ظ" التي فيه كلامه لله تعالى.
ومن ذلك قراءة العامة :﴿سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ بالفتح، وقراءة الحسن :"إِنْ يَكُونُ" بكسر الألف.
قال أبو الفتح : هذه القراءة توجب رفع يكون، ولم يذكر ابن مجاهد إعراب يكون؛ وإنما يجب رفعه لأن "إن" هنا نفي كقولك : ما يكون له ولد، وهذا قاطع.
ومن ذلك قراءة مسلمة :"فَسَيَحْشُرْهُمْ"٣ "فَيُعَذِّبْهُم" ساكنة الراء والباء.
قال أبو الفتح : قد سبق نحو هذا، وأنه إنما يسكن استثقالًا للضمة. نعم، وربما كان العمل خَلْسًا فظُن سكونًا، وقد سبقت شواهد السكون بما فيه.
٢ انظر الصفحة ١٥٥ من هذا الجزء.
٣ قوله تعالى :"فَسَيَحْشُرهم" من آية :﴿وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا﴾، وأما "يُعَذِّبهم" فمن آية :﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. سورة النساء : ١٧٢، ١٧٣.