لما لهم في نفوس الناس من العفة والورع والستر؛ وذلك أنه مَن كان في النفوس كذلك رُهب واحتُشم وأُطيع وأُعظم؛ لأن من أطاع الله سبحانه أُكرم وأُطيع، ومن عصاه امتُهن وأُضيع.
والآخر : أن يكون معناه من الذين إذا وُعِظُوا رَهِبُوا وخَافُوا، فإذا أتاهم الرسول بالحق أطاعوا وخضعوا؛ أي : ليسوا ممن يركب جهله ولا يُصغي إلى ما يُحد له، فيكون كقوله :﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾١، وكقوله تعالى :﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾٢، ونحو ذلك من الآي الدالة على رهبة المؤمنين وطاعتهم، فهذا إذن من أُخِيفَ والأول من خِيف.
ومن ذلك قراءة الحسن بن عمران وأبي واقد والجراح، ورُويت عن الحسن :"فطَاوَعَتْ له نَفْسُهُ"٣.
قال أبو الفتح : ينبغي - والله أعلم - أن يكون هذا على أن قَتْل أخيه جذبه إلى نفسه ودعاه إلى ذلك، فأجابته نفسه وطاوعته.
وقراءة العامة :﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ﴾ أي : حسنته له وسهلته عليه.
ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان :"فَأُوَارِي سَوْءَةَ أَخِي"٤ بسكون الياء في "أوارِي".
قال أبو الفتح : قد سبق القول على سكون هذه الياء في موضع النصب في نحو قوله :
كأن أيديهن بالْمَوْماةِ أيدي جوارٍ بِتْنَ ناعماتِ٥
وقول أبي العباس : إنها من أحسن الضرورات.
ومن ذلك قراءة أبي جعفر يزيد :"مِنِ اجْلِ ذَلِكَ"٦ غير مهموز والنون مكسورة.
قال أبو الفتح : يقال : فعلت ذلك من أَجلك ومن إِجْلِك بالفتح والكسر، ومن إجلاك ومن جلَلِك ومن جلالِك ومن جَرَّاك، فيجب على هذا أن تكون قراءة أبي جعفر :"مِنِ اجْلِ ذَلِكَ"

١ سورة الحجرات : ٣.
٢ سورة يس : ١١.
٣ سورة المائدة : ٣٠.
٤ سورة المائدة : ٣٠.
٥ يصف إبلًا دميت أخفافها، وأراد أيدي جوار مخضبات، فلما كان الخضاب من التنعم قال : ناعمات، وهذا من الإشارة والوحي. سمط اللآلي : ٧٥٥.
٦ سورة المائدة : ٣٢.


الصفحة التالية
Icon