جاءت لانكسار ما قبل اللام سِلت، كمجيئها في خاف١ لمجيء الكسرة في خاءِ خِفت، ويدلك على أن هذه اللغة من الواو لا من الهمزة ما حدثنا به أبو علي من قوله : هما يتساولان، وهذه دلالة على ما ذكرنا قاطعة.
ومن ذلك قراءة الحسن :"لا يضُرْكُم"٢، وقراءة إبرهيم :"لا يَضِرْكُم".
قال أبو الفتح : فيها أربع لغات : ضاره يَضيره، وضاره يَضُوره، وضرَّه يَضُرَّه، وضَرَّه يَضِرَّه - بكسر الضاد وتشديد الراء - وهي غريبة؛ أعني : يفعِل في المضاعف متعدية، وقد ذكرناها وقراءة من قرأ :"لَنْ يَضِرُّوا اللَّهَ شَيْئًا"٣، وجزم يَضُرْكم ويَضِرْكم لأنه جُعل جواب الأمر؛ أعني قوله :﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾، ويجوز أن تكون "لا" هنا نهيًا كقولك : لا تقم إذا قام غيرك، والأول أجود.
ومن ذلك قراءة الأعرج والشعبي٤ والحسن والأشهب :"شهادةٌ بَيْنَكم"٥ رفع، وعن الأعرج بخلاف :"شهادةً بينَكم" نصب.
قال أبو الفتح : أما الرفع بالتنوين فعلى سمت قراءة العامة ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ بالإضافة، فحذف التنوين فانجرَّ الاسم.
وأما "شهادةً بينَكم" بالنصب والتنوين، فنصبها على فعل مضمر؛ أي : ليُقِمْ شهادةً بينكم اثنان ذوا عدل منكم، كما أن من رفع فنَوَّن أو لم يُنوِّن فهو على نحو من هذا؛ أي : مقيمُ شهادةِ بينِكم أو شهادةٍ بينَكم اثنان ذوا عدل منكم، ثم حُذف المضاف وأُقيم المضاف إليه مقامه.
وإن شئت كان "٢٥و" المضاف محذوفًا من آخر الكلام؛ أي : شهادةٌ بينَكم شهادةُ اثنين ذوَي عدل منكم؛ أي : ينبغي أن تكون الشهادة المعتمدة هكذا.
٢ سورة المائدة : ١٠٥.
٣ سورة آل عمران : ١٧٦، ١٧٧. وفي الأصل : فلن، وهو تحريف.
٤ هو عامر بن شراحيل بن عبد أبو عمرو الشعبي الكوفي الإمام الكبير المشهور، عرض على أبي عبد الرحمن السلمي وعلقمة بن قيس، وروى القراءة عنه عرضًا محمد بن أبي ليلى، مات سنة ١٠٥ وله سبع وسبعون سنة. طبقات القراء : ١/ ٣٥٠.
٥ سورة المائدة : ١٠٦.