الفرسُ جعفرٌ، وترفع زيدًا وجعفرًا بفعل مضمر دل عليه هذا الظاهر، وإياك وأن تقول : أنه ارتفع بهذا الظاهر؛ لأنه هو الفاعل في المعنى لأمرين :
أحدهما : أن الفعل لا يرفع إلا الواحد فاعلًا أو مفعولًا أقيم مقام الفاعل، وقد رفع هذا الفعل ما أقيم مقام فاعله وهو "قَتْلُ أَوْلادِهِمْ"، فلا سبيل له إلى رفع اسم آخر على أنه هو الفاعل في المعنى؛ لأنك إذ انصرفت بالفعل نحو إسنادك إياه إلى المفعول لم يجز أن تتراجع عنه فتسنده إلى الفاعل؛ إذ كان لكل واحد منهما فعل يخصه دون صاحبه، كقولك : ضَرَب وضُرِب، وقَتَل وقُتِلَ، وهذا واضح.
والآخر : أن الفاعل عندنا ليس المراد به أن يكون فاعلًا في المعنى دون ترتيب اللفظ، وأن يكون اسمًا ذكرته بعد فعل وأسندته ونسبته إلى الفاعل؛ كقام زيد وقعد عمرو. ولو كان الفاعل الصناعي هو الفاعل المعنوي للزمك أن تقول : مررت برجلٌ يقرأ، فترفعه لأنه قد كان يفعل شيئًا وهو القراءة، وأن تقول : رأيت رجلٌ يحدث، فترفعه بحديثه، وأن تقولم في رفع زيد من قولك : زيد قام : إنه مرفوع بفعله؛ لأنه الفاعل في المعنى؛ لكن طريق الرفع في "شركاؤهم" هو ما أَريتك من إضمار الفعل له لترفعه به، ونحوه ما أنشده صاحب الكتاب من قول الشاعر :
لِيُبْك يزيد ضارِعٌ لخصومة ومُخْتبِطٌ مما تُطيح الطوائح١
كأنه لما قال : ليبك يزيد، قيل : مَن يبكيه؟ فقال : ليبكه ضارع لخصومة، والحمل على المعنى كثير جدًّا، وقد أفردنا له فصلًا في جملة شجاعة العربية من كتابنا الموسوم بالخصائص٢.
فهذا هو الوجه المختار في رفع الشركاء "٥٤ظ" وشاهده في المعنى قراءة الكافة :﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾، ألا ترى أن الشركاء هم المزيِّنون لا محالة؟
وأما الوجه الآخر : فأجازه قطرب؛ وهو أن يكون الشركاء ارتفعوا في صلة المصدر الذي هو القتل بفعلهم، وكأنه : وكذلك زُين لكثير من المشركين أنْ قَتَلَ شركاؤهم أولادَهم، وشبهه بقوله : حُبِّبَ إليَّ ركوبُ الفرس زيدٌ؛ أي : أن ركب الفرسَ زيدٌ. هذا - لعمري - ونحوه صحيح المعنى، فأما الآية فليست منه، بدلالة القراءة المجتمع عليها، وأن المعنى أن المزيِّن هم الشركاء، وأن القاتل هم المشركون، وهذا واضح.
٢ الخصائص : ٢/ ٣٦٠ - ٤٤١.