ومن ذلك قراءة زهير الفُرْقُبي١ :"يَوْمُ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ"٢ بالرفع.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون ارتفاع اليوم بالابتداء، والجملة التي هي قوله تعالى :﴿لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ خبر عنه، والعائد من الجملة محذوف لطول الكلام والعلم به، وإذا كانوا قد قالوا : السمن مَنَوان بدرهم، فحذفوا وهم يريدون "منه" مع قصر الكلام؛ كان حذف العائد هنا لطول الكلام أسوغ، وتقديره : لا ينفع فيه نفسًا إيمانها، ومثله قولهم : البُرُّ الكْرُّ٣ بستين؛ أي : الكُرُّ منه.
وفي قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾٤ ثلاثة أقوال :
أحدها : أن يكون على حذف العائد؛ أي : إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا منهم، وله نظائر كثيرة؛ لكنا نحذف٥ الإطالة إذ كان هذا كتابًا مختصرًا ليقرب على القراء ولا يلطُف عنهم، وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتاب الحجة في قراءة السبعة، فأغمضه وأطاله حتى منع كثيرًا ممن يدَّعي العربية - فضلًا على القَرَأة - منه، وأجفاهم عنه.
ومن ذلك قراءة أبي العالية :"لا تَنْفع نفسًا إيمانُها" بالتاء فيما يروى عنه، قال ابن مجاهد : وهذا غلط.
قال أبو الفتح : ليس ينبغي أن يُطْلَق على شيء له وجه في العربية قائم - وإن كان غيره أقوى منه - أنه غلط، وعلى الجملة فقد كثر عنهم تأنيث فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته
٢ سورة الأنعام : ١٥٨.
٣ الكر بالضم : مكيال للعراق، وستة أوقار حمار، أو هو ستون فقيزًا، أو أربعون إردبًّا.
٤ سورة الكهف : ٣٠.
٥ كذ بالأصل، ويظهر أنها محرفة عن "نحذر".