ومن ذلك قراءة ابن محيصن :"من هذِي الشجرة"١.
قال أبو الفتح : هذا هو الأصل في هذه الكلمة، وإنما الهاء في "ذه" بدل من الياء في "ذي"، يدل على الياء الأصل قولهم في المذكر :"ذا"، فالألف في ذا بدل من الياء في ذي، وأصل ذا عندنا ذَيّ، وهو من مضاعف الياء مثل : حي، فحذفت الياء الثانية التي هي لام تخفيفًا فبقي ذَيْ. قال لي أبو علي : فكرهوا أن يشبه آخره آخر كي وأي، وأبدلوها ألف كما أبدلت في باءَس ويايَس٢.
ويدل على أن أصل ذا ذَيّ وأنه ثلاثي جواز تحقيره في قولك : ذَيَّا، ولو كان ثنائيًّا لما جاز تحقيره كما لا تحقر "ما"، "ومَن" لذلك. وقد شرحت هذا الموضع في كتابي الموسوم بالمنصف بما يمنع من الإطالة بذكره هنا.
فأما الياء اللاحقة بعد الهاء في "هذهِي سبيلي"٣ ونحوه فزائدة، لحقت بعد الهاء تشبيهًا لها بهاء الإضمار في نحو : مررت بهِي، ووجه الشبه بينهما أن كل واحد من الاسمين معرفة مبهمة لا يجوز تنكيره، وإذا وَقَفْتَ قلت : هذهْ، فأسكنت الهاء، ومنهم من يدعها على سكونها في الوصل كما يسكِّنها عند الوقف عليها، كما أن منهم من يسكن الهاء المضمرة إذا وصلها فيقول : مررت بِهْ أَمس، وذكر أبو الحسن أنها لغة لأزْد السراة، وأنشد هو وغيره :
فظَلْت لدى البيت العتيق أُخليه ومِطْواي مشتاقان لهْ أَرِقان٤
وروينا عن قطرب قول الآخر :
وأَشربُ الماء ما بي نحوَه عَطَشٌ إلا لأَنَّ عيونَهْ سَيْلُ وادِيها٥
٢ قال في المنصف ٣/ ٣٥ : يقال : يئس ييئس وييئس وياءس يأسًا فهو يائس وأيس يايس، فهو آيس.
٣ سورة يوسف : ١٠٨.
٤ ليعلى الأحول الأزدي، ورُوي :"الحرام" مكان "العتيق"، و"أشيمه وأريفه" مكان "أخيله". ورُوي الشطر الآخر :"ومطواي من شوق له أرقان". وضمير أخيله وله للبرق في بيت قبله. أخليه : من أخيلت السحابة إذا رأيتها مخيلة للمطر بضم الميم؛ أي : تخيل من رآها أنها ماطرة، مطواي : صاحباي. الخزانة : ٢/ ٤٠١، والخصائص : ١/ ١٢٨ والمنصف : ٣/ ٨٤.
٥ بهامش الأصل :"في الأصل : ويشرب". وانظر : الخزانة : ٢/ ٤٠٢، والضرائر للألوسي : ٨٣.