ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب والأعرج والحسن :"إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ منكم"١ بالتاء.
قال أبو الفتح : في هذه القراءة بعض الصنعة؛ وذلك لقوله فيما يليه :﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾. فالأشبه بتذكير يقصون التذكير بالياء في قراءة الجماعة :﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾، فتقول على هذا : قامت الزيود وقام الزيدون، وتذكر لفظ قام لتذكير الزيدون، وتؤنث لفظ قامت لأن الزيود مكسر ولا يختص بالتذكير؛ لقولك : الهنود. وقد يجوز قامت الزيدون، إلا أن قام أحسن.
ومن ذلك ما رُوي عن أبي عمرو :"حَتَّى إِذَا إدَّارَكُوا"٢، ورُوي عنه أيضًا :"حتى إذا" يقف ثم يقول :"تَدَارَكُوا"، وظهور التاء في "تداركوا" قراءة ابن مسعود والأعمش.
وقراءة أخرى :"إذآ ادَّاركوا"، قرأ بها مجاهد وحميد ويحيى وإبراهيم.
قال أبو الفتح : قَطْعُ أبي عمرو همزة "ادَّاركوا" في الوصل مشكل؛ وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة؛ إذ ليست مبتدأة كقراءته الأخرى مع الجماعة. وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف "إذا" مُمَيِّلًا بين هذه القراءة وقراءته الأخرى التي هي "تداركوا"، فلما اطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف، فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك في ابتدائها، فجرى هذا التمييل في التلوم٣ عليه وتطاول الصوت به مجرى وِقفة التذكر في نحو قولك : قالوا - وأنت تتذكر - الآن من قول الله سبحانه :"قالُوا الآن"٤، فتثبت الواو من قالوا لتلومك عليها "٥٩ظ" للاستذكار، ثم تثبت همزة الآن؛ أعني : همزة لام التعريف.
ومثله "اشْتروُوا" إذا وقفت مستذكرًا "للضلالة"٥، فتضم الواو من "اشتروا" على ما كانت عليه من الضم لالتقاء الساكنين، ثم تشبع الضمة لإطالة صوت وِقفة الاستذكار، فتُحدِث هناك واوًا تنشأ عن ضمة واو الضمير، ثم تبتدئ فتقول :"ألضلالة"، فتقطع همزة الوصل لابتدائك بها، فهذا أمثل ما يقال في هذا.

١ سورة الأعراف : ٣٥.
٢ سورة الأعراف : ٣٨.
٣ التلوم : التمكث والانتظار.
٤ سورة البقرة : ٧١.
٥ سورة البقرة : ١٦.


الصفحة التالية
Icon