وإن شئت قلت : عطَف "نعمل" بالرفع لفظًا وهو ينوي أنه جواب؛ أي : إن شاء الله ذلك مشيئة إلجاء عملنا لا محالة، فيعطفه لفظًا وهو يريد الجواب على ما مضى.
ومن ذلك قراءة حُميد :"يَغْشَى"١ بفتح الياء والشين، ونصب "الليل" ورفع "النهار"٢.
قال أبو الفتح : اتصال قوله تعالى :"يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ" بقوله :"ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" اتصال الحال بما قبلها، ويكون هناك عائد منها إلى صاحبها وهو الله تعالى؛ أي : يَغشَى الليلَ النهارُ بأمره أو بإذنه، وحذف العائد كما يحذف من خبر المبتدأ في نحو قولهم : السَّمْنُ مَنَوان بدرهم؛ أي : منوان منه بدرهم.
ودعانا إلى إضمار هذا العائد أن تتفق القراءتان على معنى واحد؛ ألا ترى إلى قراءة الجماعة :﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾، وأن هذه الجملة في موضع الحال؛ أي : استوى على العرش مُغْشِيًا الليل النهار؛ أي : استوى عليه في هذه الحال "٦١و".
فقوله إذن :﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ بدل من قوله :"يغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ" للتوكيد، وهو على قراءة الجماعة :"يُغْشِي" أو "يُغَشِّي" حال من الليل؛ أي : يُغَشِّي الليل النهار طالبًا له حثيثًا، وحثيثًا بدل من طالب أو صفة له؛ لأن طالبًا لو كان منطوقًا به حال هناك، والحال عندنا فوصف٣ من حيث كانت في المعنى خبرًا، والأخبار توصف؛ لكن الصفات عندنا لا توصف.
وإن شئت يكون "حثيثًا" حالًا من الضمير في يطلبه، وفيه من بعد هذا ما أذكره؛ وذلك أن الفاعل في المعنى من أحد المفعولين في قراءة الجماعة هو الليل؛ لأنه المفعول الأول، كقولك : أعطيت زيدًا عمرًا، فزيد هو الآخذ وعمرو هو المأخوذ، وأغشيت جعفرًا خالدًا، فالغاشي جعفر والمغشيُّ هو خالد، والفاعل في قراءة حميد هو النهار؛ لأنه مرفوع :"يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ"، فالفاعلان والمفعولان جميعًا مختلفان على ما ترى.

١ سورة الأعراف : ٥٤.
٢ قال في البحر المحيط :"وقرأ بالتضعيف الأخوان وأبو بكر، وبإسكان الغين باقي السبعة، وبفتح الياء وسكون الغين وفتح الشين وضم اللام حميد بن قيس، كذا قال عنه أبو عمرو الداني.... قال ابن عطية : وأبو الفتح أثبت. انتهى، وهذا الذي قاله من أن أبا الفتح أثبت كلام لا يصح؛ إذ رتبة أبي عمرو الداني في القراءات ومعرفة رواياتها واختصاصه بذلك بالمكان الذي لا يدانيه أحد من أئمة القراءات...". ٤/ ٣٠٩.
٣ كذا بالأصل، والأخفش يجيز زيادة الفاء في جميع خبر المبتدأ. شرح الكافية : ١/ ١٠٢.


الصفحة التالية
Icon