وأنني حيثما يسري الهوى بصري من حَوْثُما سلكوا أثنى فأَنظور١
يريد : فأنظره، فأشبع الضمة فأنشأ عنها واوًا، هكذا رواه أبو علي يسري من سريت، ورواه ابن الأعرابي "٦٢ ظ" : يشري - بالشين معجمة - أي : يُقلق ويحرك الهوى بصري، وما أحسن هذه الرواية وأطرفها! وأنشد غيرهما :
عَيْطاء جَمَّاء العِظَام عُطْبولْ كأَن في أنيابها القَرَنْفولْ٢
يريد : القَرَنْفُل، فإذا جاز هذا ونحوه نظمًا ونثرًا ساغ أيضًا أن يُتأول لقراءة الحسن :"سأُورِيكُمْ"، أراد : سأُرِيكم وأشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، وهو أبو سعيد، والمأثور من فصاحته ومتعالَم قوة إعرابه وعربيته! فهذا مع ما فيه من نظائره أمثل من أن يُتلقي بالرد صِرفًا غير منظور له ولا مسعيٍّ في إقامته. وزاد في احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ، فمُكن الصوت فيه وزاد إشباعه واعتماده، فأُلحقت الواو فيه لما ذكرنا.
ومن ذلك قراءة مجاهد :"فَلا تَشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ"٣، وقرأ أيضًا :"فَلا يَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ".
قال أبو الفتح : الذي رويناه عن قطرب في هذا أن قراءة مجاهد :"فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ" رفع - كما ترى - بفعلهم، فالظاهر أن انصرافه إلى الأعداء، ومحصوله : يا رب، با تُشْمِتْ أنت بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
فأما مع النصب فإنه كأنه قال : لا تَشْمَتْ بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال سبحانه :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾٤ ونحوه مما يجري هذا المجرى، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلًا نصب به الأعداء٥، فكأنه قال : لا تُشْمِتْ بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
يُروى :"وأنني حوثما يثني"، ويُروى :"يشري" بالشين مكان "يسري"، ويروى :"حيثما" في الشطرين، وحوث : لغة في حيث، ويشري مضارع اشريته، متعدي شري البرق من باب فرح إذا كثر لمعانه، وشري زمام الناقة إذا كثر اضطرابه، وانظر : سر صناعة ا لإعراب : ١/ ٣، والخزانة : ١/ ٥٨.
٢ رُوي :"ممكورة جم العظام"، العيطاء : الطويلة العنق، والمكمورة : المطوية الخلق من النساء، العطبول : المرأة الفتية الجميلة العنق. وانظر : الخصائص : ٣/ ١٢٤، واللسان "قرنفل".
٣ سورة الأعراف : ١٥٠، وقراءة مجاهد هذه برفع "الأعداء " ونصبها.
٤ سورة البقرة : ١٥.
٥ قال في البحر المحيط ٤/ ٣٩٦ : وهذ خروج عن الظاهر، وتكلف في الإعراب. وقد روي : تعدى يشمت لغة، فلا يتكلف أنها لازمة مع نصب الأعداء، وأيضًا قوله :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم﴾ إنما ذلك على سبيل المقابلة لقولهم :﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون﴾ فقال :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم﴾، وكقوله :﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾، ولا يجوز ذلك ابتداء من غير مقابلة.