ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو١ الأسواري :"أُصيبُ به مَن أَسَاءَ"٢.
قال أبو الفتح : هذه القراءة أشد إفصاحًا بالعدل من القراءة الفاشية التي هي :"مَن أشاء"؛ لأن العذاب "٦٣و" في القراءة الشاذة مذكور علة الاستحقاق له، وهو الإساءة، والقراءة الفاشية لا يُتناول من ظاهرها علة أصابة العذاب له، وأن ذلك لشيء يرجع إلى الإنسان، وإن كنا قد أحطنا علمًا بأن الله تعالى لا يظلم عباده، وأنه لا يعذب أحدًا منهم إلا بما جناه واجترمه على نفسه، إلا أنا لم نعلم ذلك من هذه الآية؛ بل من أماكن غيرها. وظاهر قوله تعالى :﴿مَنْ أَشَاء﴾ بالشين معجمة ربما أوهم من يضعف نظره من المخالفين أنه يعذب من يشاء من عباده، أساء أو لم يسئ، نعوذ بالله من اعتقاد ما هذه سبيله، وهو حسبنا وولينا.
ومن ذلك قراءة الجحدري وسليمان التيمي وقتادة :"وعَزَرُوه"٣ خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح : مشهور اللغة في ذلك : عزَّرت الرجل : أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا : عَزَرتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل : عَزْرة؛ فقد يجوز أن يكون "وعزَرُوه" على هذه القراءة؛ أي : منعوه وحجزوا ذكره عن السوء، كقوله : سبحان الله، ألا ترى أن أبا الخطاب فسره فقال : براءة الله من السوء؟ فبرَّأْته من الشيء وحجزته عنه بمعنى واحد.
ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن سليمان :"عَشِرة"٤، وقرأ "عشَرة" بفتح الشين بخلاف.
قال أبو الفتح : أما "عشِرة" بكسر الشين فتميمية، وأما إسكانها فحجازية.
واعلم أن هذا موضع طريف؛ وذلك أن المشهور عن الحجازيين تحريك الثاني من الثلاثي إذا كان مضمومًا أو مكسورًا، نحو : الرسُل والطنُب والكبِد والفخِذ، ونحو : ظرُف وشرُف وعلِم وقدِم. وأما بنو تميم فيسكنون الثاني من هذا ونحوه، فيقولون : رُسْل وكُتْب وكَبْد وفَخْذ، وقد ظَرْف وقد عَلْم، لكن القبيلتين جميعًا فارقتا في هذا الموضع من العدد معتاد لغتهما، وأخذت كل
٢ سورة الأعراف : ١٥٦، ١٥٧.
٣ سورة الأعراف : ١٥٧.
٤ سورة الأعراف : ١٦٠.