وأما "بِئِس" فعلى الإتباع مثل : فِخِذ وشِهِد. قال أبو حاتم في قراءة بعضهم :"بِئيَس"، فهذا في الصفة بمنزلة حِذْيم١ فِعْيَل، وكذا مثَّله أبو حاتم أيضًا.
وحكى أبو حاتم أيضًا "بِئِيس" كشِعِير وبِعِير، فكسر أوله لكسر الهمزة بعده.
وحكى أيضًا فيها "بَئِّس" فَعِّل، وأنكرها فردها ألبتة، وأنكر قراءة الحسن :"بِئْس" وقال : لو كان كذا لما كان بُدٌّ معها من "ما" بئِسما كنعم ما.
ومن ذلك قراءة زهير عن خُصَيف :"مِنْ ظُهورهم ذُرِّيئَتَهم"٢ واحدة مهموزة.
قال أبو الفتح : هذا يمنع مِن تَأَوُّل الذرية فيمن لم يهمز أنها من الذر أو من ذَرَوت أو من ذَرَيْت، ويقطع بأنها من ذَرَأْتُ؛ أي : خلقتُ.
فإن قلت : فهلا أجزْتَ أن تكون من الذَّر وجعلتها فُعْلِيَّة غير أنها همزت كما وجد بخط الأصمعي : قَطًا جؤني٣.
قيل : هذا من الشذوذ؛ بحيث لا يُسمع أصلًا، فضلًا عن "٦٥و" أن يتخذ قياسًا.
ومن ذلك قراءة السلمي :"وادَّارسُوا ما فيه"٤، وعباس عن الضبي عن الأعمش :"وادَّكَروا ما فيه".
قال أبو الفتح :"ادَّارسُوا" تدارسوا، كقوله :"ادَّاركوا"٥، والعمل فيهما واحد، وقد تقدم.
٢ سورة الأعراف : ١٧٢.
٣ القطا الجوني : ضرب من القطا سود بطون الأجنحة والقوادم، قصار الأذناب، وأرجلها أطول من أرجل الكدري، وأجسامها أضخم، تعدل جونية بكدريتين، وفي الأصل : جونيء، وهو تحريف؛ ففي المخصص ٨/ ١٥٧ قال - يعني : أبا حاتم : ووجد في بعض رقاع الأصمعي بعد موته : بعض العرب يهمز الجوني، ولم يقله غيره. الفارسي : هو على توهم الضمة التي في الجيم واقعة على الواو. ومثله قراءة مَن قرأ :"فاستوى على سؤقه". وحُكي عن أبي العباس أنه قال : كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة...
وفي اللسان مثله نقلًا عنه بتصرف، وانظر الخصائص : ٣/ ١٤٦، وكأن وجه المشابهة التي عقدها ابن جني بين ذريئتهم وجؤني هو مطلق الهمز القليل في كلتا الكلمتين، دون تقيد بنوع الحرف المهموز ولا بمكانه من الكلمة التي جاء فيها.
٤ سورة الأعراف : ١٦٩.
٥ سورة الأعراف : ٣٨، وانظر الصفحة ٢٤٧ من هذا الجزء.