ومن ذلك قراءة ابن عباس :"كأنَّك حفيٌّ بِها"١.
قال أبو الفتح : ذهب أبو الحسن في قوله :﴿يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ إلى أن تقديره : يسألونك عنها كأنك حفي بها، فأخر "عن" وحذف الجار والمجرور للدلالة عليهما، فهذا الذي قدره أبو الحسن قد أظهره ابن عباس، وحذف "عنها" لدلالة الحال عليها، ألا ترى أنه إذا كان حفيًّا بها فمن العرف وجاري عادة الاستعمال أن يُسْأَل عنها، كما أنه إذا سئل عنها فليس ذلك إلا لحفاوته بها؟ وإذا لم يكن بها حفيًّا لم يكن عنها مسئولًا، وكل واحد من حرفي الجر دل عليه ما صحبه فساغ حذفه، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة ابن يعمر :"فَمَرَت بِه"٢ خفيفة.
قال أبو الفتح : أصله "فمرَّت به" مثقلة، كقراءة الجماعة، غير أنهم قد حذفوا نحو هذا تخفيفًا لثقل التضعيف. وحكى ابن الأعرابي فيما رويناه عنه فيما أحسب : ظنْتُ زيدًا يفعل كذا، ومنه قوله تعالى :﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾٣ فيمن أخذه من القرار لا من الوقار، وهذا الحذف في المكسور أسوغ؛ لأنه اجتمع فيه مع "٦٥ظ" التضغيف الكسرة، وكلاهما مكروه، وهو قوله تعالى :﴿ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾٤ أي : ظَلِلْتَ، وقالوا : مَسْتُ يده : أي مَسِسْتُها. وقال أبو زبيد :
خلا أن العتاق من المطايا أَحسن به فهُن إليه شُوسُ٥
أراد : أحسسن، وهذا وإن كان مفتوحًا فإنه قد حُمل الهمزة والزائدة، فازداد ثقلًا.

١ سورة الأعراف : ١٨٧، والقراءة الفاشية :﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾.
٢ سورة الأعراف : ١٨٩.
٣ سورة الأحزاب : ٣٣.
٤ سورة طه : ٩٧.
٥ من قصيدة في وصف الأسد، ويروى :"سوى" مكان "خلا". وقبله :
فباتوا يدلجون وبات يسري بصير بالدجى هاد عموس
إلى أن عرسوا وأنخت منهم قريبًا ما يحس له مسيس
عموس : قوي شديد، الشوس : جمع أشوس وشوساء، من الشوس؛ وهو النظر بمؤخَّر العين تكبرًا أو تغيظًا. وانظر : الخصائص : ٢/ ٤٣٨، وشواهد الكشاف : ٦٩.


الصفحة التالية
Icon