قال أبو الفتح : لا يجوز أن يكون "أمْنة" مخففًا من "أمَنة" كقراءة ا لجماعة، من قِبَلِ أن المفتوح في نحو هذا لا يُسكن كما يُسكن المضموم في المكسور لخفة الفتحة. وأما قوله :
وما كل مبتاع ولو سَلْف صَفقُه
بِرَاجعِ ما قد فاته بِرِداد١
قال أبو الفتح : فشاذ على أننا قد ذكرنا وجه الصنعة في كتابنا الموسوم بالمنصف٢.
ومن ذلك قراءة الناس :﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾٣، وقرأ الشعبي٤ :"مَا لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" على معنى : الذي به.
قال أبو الفتح :"ما" هاهنا موصولة، وصلتها حرف الجر بما جره، وكأنه قال : ما لِلطَّهور، كقولك : كسوته الثوب الذي لدفع البرد، ودفعت إليه المال الذي للجهاد، واشتريت الغلام الذي للقتال.
ألا ترى أن تقديره : ويُنَزِّل عليكم من السماء الماء الذي لأن يطهركم به؛ أي : الماء الذي لطهارتكم أو لتطهيركم به. وهذه اللام في قراءة الجماعة :﴿مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ هي لام المفعول له، كقوله : زرتك لتكرمني، وهي متعلقة بزرتك، ولا ضمير فيها لتعلقها بالظاهر.
فهي كقوله تعالى :﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾٥، فهي كما ترى متعلقة بنفس "فتحنا" تعلقَ حرف الجر بالفعل قبله.
وأما اللام في قراءة من قرأ :"ما لِيُطَهِّرَكم به" أي : الذي للطهارة به، فمتعلقة بمحذوف، كقولك : دفعت إليه المال الذي له؛ أي : استقر أو ثبت٦ له، وفيها ضمير لتعلقها بالمحذوف.
وأما لام المفعول له فلا تكون إلا متعلقة بالظاهر نحو : زرته ليكرمني وأعطيته ليشكرني، أو بظاهر يقوم مقام الفعل كقولك : المال لزيد لينتفع به، فاللام في لزيد متعلقة بمحذوف على ما مضى، والتي في قولك : لينتفع به هي لام المفعول له "٦٦ظ"، وهي متعلقة بنفس قولك :
٢ المنصف : ١/ ٢١.
٣ سورة الأنفال : ١١.
٤ هو عامر بن شراحيل بن عبد، أبو عمرو الشعبي، الإمام الكبير المشهور، عرض على أبي عبد الرحمن السلمي وعلقمة بن قيس، وروى القراءة عنه عرضًا محمد بن أبي ليلى. ومناقبه وعلمه وحفظه أشهر من أن تُذكر. مات سنة ١٠٥، وله سبع وسبعون سنة. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٣٥٠.
٥ سورة الفتح : ١، ٢.
٦ ك : وثبت.