لأنها عين، أو تصح كما صحت في عِوَض وحِوَل، وأن تقول : لا سِوَما زيد؛ لكنه أقرها على قلبها دلالة على أنه يريد سكونها ووقوع الياء بعدها، وإن شئت لأنها الآن قد وقعت طرفًا فضعفت، فهذا كله ونظائر له كثيرة ألغينا ذكرها؛ لئلا يمتد الكتاب باقتصاصها تشهد بأن يكون قولهم : لا أكلمك حِيرِي دهر، إنما أُسكنت ياؤه لإرداة التثقيل في حيرِيّ دهر، غير أن الجماعة تلقته على ظاهره.
وشواهد سكون هذه الياء في موضع النصب فاشٍ في الشعر، فإذا كثر هذه الكثرة وتقبَّله أبو العباس ذلك التقبل ساغ حمل تلك القراءة عليه.
يؤكد ذلك "٧٠و" أيضًا أنك لو رُمت قطعه ورفعه على ابتداء؛ أي : هو ثاني اثنين؛ لتقطَّع الكلام، وفارقه مألوف السديد من النظام، وإنما المعنى : إلا تنصروه فقد نصره الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وقوله :﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ بدل من قوله جل وعز :﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
فإن قلت : فإن وقت إخراج الذين كفروا له قبل حصوله - ﷺ - في الغار، فكيف يُبدَل منه وليس هو هو، ولا هو أيضًا بعضه، ولا هو أيضًا من بدل الاشتمال؟ ومعاذ الله أن يكون من بدل الغلط، قيل : إذا تقارب الزمانان وُضع أحدهما موضع صاحبه، ألا تراك تقول : شكرتك إذ أحسنت إلَيَّ، وإنما كان الشكر سببًا عن الإحسان، فزمان الإحسان قبل زمان الشكر، فأعملت شكرت في زمان لم يقع الشكر فيه.
ومن شرط الظرف العامل فيه الفعل أن يكون ذلك الفعل واقعًا في ذلك الزمان؛ كزرتك في يوم الجمعة، وجلست عندك يوم السبت؛ لكنه لما تجاور الزمانان وتقاربا جاز عمل الفعل في زمان لم يقع فيه لكنه قريب منه. وقد مر بنا هذا الحكم في المواضع أيضًا. قال زياد بن منقذ :
وهُمْ إذا الخيل جالوا في كواثبها فوارسُ الخيل ولا مِيلٌ ولا قَزَم١
وإنما مقعد الفارس في صهوة الفرس لا في كاثبته؛ لأن المكانين لما تجاورا استُعمل أحدهما موضع الآخر، ألا ترى إلى قول النابغة :
إذا عرَّضوا الْخَطيّ فوق الكواثب٢
٢ صدره :
لهن عليهم عادة قد عرفنها
ويُروى :"عرض" مكان "عرضوا". وانظر : اللسان والأساس "كثب".