ومن ذلك قراءة الناس :﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا﴾١، وقرأ طلحة بن أَعيَن قاضي الري :"قل لن يُصيِّبنا" مشددًا.
قال أبو الفتح : ظاهر أمر عين أصاب يُصيب أنها واو؛ ولذلك قالوا في جمع مصيبة : مَصَاوب بالواو، وهي القوية القياسية. فأما مصائب بالهمز فلغط من العرب؛ كهمزهم حلأت٢ السويق، ورثأث٣ زوجي، ونحو ذلك مما هُمز ولا أصل له في الهمز، وواحد المصايب مصيبة ومَصُوبة ومُصاب ومصابة.
وأنا أرى أن تكون مصايب جمع مُصاب؛ لأن الألف هنا وإن كانت بدلًا من العين فإنها أشبه بألف رسالة التي يقال في تكسيرها : رسايل؛ وذلك أن الألف لا تكون أصلًا في الأسماء المتمكنة ولا في الأفعال؛ إنما تكون زائدة أو بدلًا، وليست كذلك الياء والواو؛ لأنهما قد تكونان أصلين في القبيلين جميعًا كما يكونان بدلين وزائدتين، فألف مصاب ومصابة أشبه بالزائد من ياء مصيبة وواو مصوبة، فافهم ذلك، فإن أحدًا من إخواننا لم يذكره.
وبعد، فقد مر بنا في تركيب ص ي ب في هذا المعنى، فإنهم قد قالوا : أصاب السهم الهدف يَصيبه كباعه يَبيعه، ومنه قول الكميت :
أَسهُمها الصائداتُ والصُّيُبُ٤
فعلى هذا ومن هذا الأصل تكون قراءة طلحة بالياء، فيكون يفعِّلنا منه، فيصيّب على هذا كيُسيّر ويُبيّع، وقد يجوز أيضًا أن يكون يصيّبنا من لفظ ص و ب، إلا أنه بناه على فَيْعَل يُفَيْعل، وأصله على هذا يُصَيْوبنا، فاجتمعت الياء والواو وسَبقت الياء بالسكون فقلبت الواو ياء وأُدغمت فيها الياء فصارت يصيّبنا. ومثله قوله : تحيّز، وهو تفعيل من حاز يحوز، والوجه ما قدمناه؛ لأن فَعَل في الكلام أكثر "٧١و" من فيعل.
ويجوز وجه آخر؛ وهو أن يكون من الواو، إلا أنه لما كثر يُصِيب والمصيبة أُنِس بالياء؛ لكثرة الاستعمال، ولخفتها عن الواو كما قالوا : دِيمة ودِيَم، فلما كثر ذلك وكانت الياء أخف من الواو مروا عليها فقالوا : دامت السماء تَديم.

١ سورة التوبة : ٥١.
٢ حلأت السويق : حليته.
٣ رثأث : رثيت.
٤ رواه اللسان "صيب"، واقتصر على هذا الشطر، والصيب : جمع صيوب بمعنى صائب.


الصفحة التالية
Icon