وهذا لعمري مسموع من أبي مَهدية إلا أنه كان مدخولًا، ألا ترى أن أبا محمد يحيى بن المبارك اليزيدي١ وخلفًا الأحمر٢ لما أنفذهما إليه أبو عمرو ليسألاه عن شيء من اللغة لخلاف جرى بينه وبين عيسى بن عمر٣ أتياه وهو يخاطب الشياطين في صلاته : اخسأنانَّ عني، اخسأنان عني٤.
وكذلك قول ذي الرمة :
وظاهِرْ لها من يابس الشخت٥
فقيل له : أنشدتنا بائس فقال : يابس بائس واحد. وهذا شعر ليست٦ عليه مضايقة الشرع.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال : كان يحضر ابنَ الأعرابي شيخٌ من أهل مجلسه، فسمعه يومًا ينشد :
وموضِعِ زَبْنٍ لا أُريد بَراحه كأني به من شدة الروع آنس٧

١ هو يحيى بن المبارك بن المغيرة الإمام أبو محمد العدوي المعروف باليزيدي، نحوي مقرئ ثقة علامة كبير. أخذ القراءة عرضًا عن أبي عمرو، وهو الذي خلفه بالقيام بها، وأخذ أيضًا عن حمزة. وروى القراءة عنه أولاده وغيرهم. وكان فصيحًا بارعًا في اللغات والآداب، أخذ عن الخليل وغيره. وله عدة تصانيف. توفي سنة ٢٠٢ بمرو، وله أربع وسبعون سنة. طبقات ابن الجزري : ٢/ ٣٧٥.
٢ هو خلف الأحمر بن حيان بن محرز مولى بلال بن أبي بن أبي موسى الأشعري. وهو أحد رواة الغريب واللغة والشعر ونقاده والعلماء به وبقائليه وصناعته وله صنعة فيه، وليس في رواة الشعر أحد أشعر منه. إنباه ا لرواة : ١/ ٣٤٨.
٣ هو عيسى بن عمر أبو عمر الثقفي النحوي البصري، معلم النحو ومؤلف الجامع والإكمال. عرض القرآن على عبد الله بن أبي إسحاق وعاصم الجحدري، وروى عن ابن كثير وابن محيصن حروفًا. وله اختيار في القراءات على قياس العربية. وروى القراءة عنه أحمد بن موسى اللؤلئي وهارون بن موسى وعبد الملك بن قريب والخليل بن أحمد وغيرهم. وتوفي سنة ١٤٩. طبقات ابن الجزري : ١/ ٦١٣.
٤ ترى الخبر في مجالس العلماء : ١.
٥ هو من قوله :
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن عليها الصَّبا واجعل يديك لها سترا
والمظاهرة : جعل شيء فوق شيء، يخاطب صاحبه المذكور في بيت سابق، وضمير "لها" عائد على النار التي أوقداها، والشخت : الدقيق، يريد به الحطب هنا. وانظر : الديوان : ١٧٦.
٦ في ك : ليس.
٧ للمرقش الأكبر، ويُروى شطره الأول :
ومنزل ضنك لا أريد مبيته
يقول : أنست بهذا المنزل لما نزلت به من شدة ما بي الروع وإن كان ضيقًا ليس بموضع نزول. وانظر : المفضليات : ٢٢٤، والخصائص : ٢/ ٤٦٧.


الصفحة التالية
Icon