أفضيت والفضاء وما تصرف منهما واو لقولهم : فَضَا الشيء يقضو إذا اتسع، فقولهم : أفضيت : صرت إلى الفضاء؛ كقولهم : أَعرَق الرجل : إذا صار إلى العراق، وأعمن الرجل : إذا صار إلى عُمان، وأنجد : أتى نجدًا، ونحو ذلك.
ومن ذلك قراءة مجاهد١ وسعيد بن جبير٢ :"إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ"٣.
قال أبو الفتح : هذا - على قول٤ قراءة الجماعة :﴿لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ - إشارة إلى الفعل الواقع هناك من قلب العصا حية ونحوه، وهذا - على من قرأ :"لَسَاحِر" - إشارة إلى موسى عليه ا لسلام، كما أن هذا - من قول الله تعالى :﴿هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ﴾٥ - إشارة إلى اليوم، وهذا - على قراءة٦ من قرأ :"هَذَا يَوْمَ لا يَنْطِقُونَ" بالنصب - إشارة إلى الفعل الواقع في هذا اليوم.
ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن :"قَدْ أُجِيبَتْ دَعَوَاتُكُمَا"٧.
قال أبو الفتح : هذه جمع دعوة، وبهذه القراءة تعلم أن قراءة الجماعة :﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ يراد فيها بالواحد معنى الكثرة؛ وساغ ذلك لأن المصدر جنس، وقد تقدم أن الأجناس يقع قليلها موقع كثيرها، وكثيرها موقع قليلها.
ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب ومحمد بن السميفع٨ ويزيد البربري :"فاليومَ نُنَحِّيك" بالحاء.

١ هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي. أحد الأعلام من التابعين والأئمة المفسرين. قرأ على عبد الله بن السائب وعبد الله بن عباس بعضًا وعشرين ختمة، ويقال : ثلاثين عرضة. وأخذ عنه القراءة عرضًا عبد الله بن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس وغيرهم. توفي سنة ١٠٣، وقيل غير ذلك. طبقات القراء لابن الجزري : ٢/ ٤١.
٢ هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي مولاهم، أبو محمد، ويقال : أبو عبد الله، الكوفي التابعي الجليل والإمام الكبير. عرض على عبد الله بن عباس، وعرض عليه أبو عمرو بن العلاء والمنهال بن عمرو. قتله الحجاج بواسط شهيدًا سنة ٩٥، وقيل : سنة ٩٤. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٣٠٥.
٣ سورة يونس : ٧٦.
٤ كذا بالأصل.
٥ سورة المرسلات : ٣٥.
٦ هو أبو العباس المطوعي، كما في الإتحاف : ٢٦٦.
٧ سورة يونس : ٨٩.
٨ هو محمد بن عبد الرحمن بن السميفع - بفتح السين - أبو عبد الله اليماني، له اختيار في القراءة ينسب إليه شَذَّ فيه، قيل : إنه قرأ على نافع وطاوس بن كيسان عن ابن عباس. وقرأ عليه إسماعيل بن مسلم الملكي، وهو ضعيف. طبقات ابن الجزري : ٢/ ١٦١.


الصفحة التالية
Icon