أي : أو أن أسوءَك، فكأن قال : أو مساءَتي إياك، فكذلك هذه القراءة : لو أن لي بكم قوة أو أُوِيًّا؛ أي : أن آوِيَ إلى ركن شديد، وهذا واضح.
ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش :"يُجْرِمَنَّكُمْ"١.
قال أبو الفتح : جَرَم الرجل ذنبًا إذا كسَب الْجُرْم، ثم ينقل فيقال : أَجْرَمْتُه ذنبًا إذا كسبته إياه، فعليه جاء :"لَا يُجْرِمَنَّكُم" أي : لا يَكْسِبَنَّكم بُغْضُ القوم تركَ العدل، كما يدعو الإنسان الحِفْظَة٢ والغضب إلى ما يَحوب٣ فيه وينال من دينه.
ومن ذلك قراءة السلمي :"بَعُدَتْ ثَمُودُ" بضم العين٤.
قال أبو الفتح : أما بَعُدَ فيكون مع الخير والشر، تقول : بَعُدَ عن الشر، وبَعُدَ عن الخير، ومصدرها البُعْدُ، وأما بَعِدَ ففي
الشر خاصة، يقال : بَعِدَ يَبْعَدُ بَعَدًا، ومنه قولهم : أَبْعَدَه الله، فهو منقول من بَعِدَ؛ لأنه دعاء عليه، فهو من بَعِدَ الموضوعة للشر. فقراءة السلمي هذه :"أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ" متفقة الفعل مع مصدره، وإنما السؤال عن قراءة الجماعة :﴿أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾.
وطريق ذلك أن يكون البُعْدُ بمعنى اللعنة، فيكون أبعده الله في معنى لعنه الله، ومنه قوله :
ذَعَرْتُ به القَطَا وَنَفَيْتُ عنه مُقَام الذئب كالرجل اللَّعِين٥
أي : مقام اللعين؛ أي : الْمُبْعَد، وعلى كل حال فالإبعاد للشيء نقص له وابتذال منه، فقد يلتقي معنى بَعِدَ مع معنى بَعُدَ من هذا الموضع، ألا ترى أنهم إذا أَدْنَوْا شيئًا من نفوسهم قالوا : هو الحبيب القريب، فالقرب على كل حال من صفات المدح، فنقيضه إذن من صفات الذم،
٢ الحفظة : الحمية.
٣ يحوب : يأثم، والمصدر الحوب بفتح الحاء وتضم.
٤ سورة هود : ٩٥.
٥ للشماخ من قصيدة مدح بها عرابة بن أوس، وقبله :
وماء قد وردت لوصل أروى عليه الطير كالورق اللَّجين
الورق اللجين : الذي ركب بعضه بعضًا فتلجن كما يتلجن بنات الخِطْمِي ويتلزج، أو الورق الساقط من الشجر عند ضربه بالعصا، وذعرت به : أي ذعرت فيه، ونفيت عنه مقام الذئب : أي نفيت الذئب عن مقامه، وخص القطا والذئب لأن القطا أهدى الطير، والذئب أهدى السباع، وهما السابقان إلى الماء، واللعين : الطريد الذي خلعه أهله لكثرة جناياته. الخزانة : ٢/ ٢٢٢ وما بعدها.