أي : أرى الدهر منجنونًا بأهله يتقلب بهم، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم. وعلى ذلك أيضًا تأولوا قول ذي الرمة :
حَراجيجُ ما تنفك إلا مُنَاخَةً على الْخَسف أو تَرْمي بها بلدًا فقرا١
أي : ما تنفك مناخة، وإلا زائدة.
ومن ذلك قراءة طلحة وقتادة والأشهب، ورُويت عن أبي عمرو :"ولا تَرْكُنُوا"٢ بضم الكاف.
قال أبو الفتح : فيها لغتان : رَكِنَ يَرْكَنُ كعلم يعلم، ورَكَن يَرْكُنُ كقتل يقتل، وحُكي عنهم رَكَن يَرْكَن فَعَل يَفْعَل، وهذا عند أبي بكر من اللغات المتداخلة؛ كأن الذي يقول : ركَن بفتح الكاف سمع مضارع الذي يقول : ركِن، وهو يركَن، فتركبت له لغة بين اللغتين، وهي رَكَن يَرْكَن، وقد ذكرنا في كتابنا الخصائص بابًا في تركيب اللغات٣.
وعليه كان أبو بكر يقول أيضًا في قولهم ضَفَن٤ الرجل يَضْفِن : إن قائل ذلك سمع قولهم : ضَيْفَنَ٥، وظاهر لفظ ذلك أن يكون فَيْعَلا؛ لأنه أكثر في الكلام٦ من فَعْلَن؛ فصارت نون ضَيْفَن وإن كانت زائدة كأنها أصل لما ذكرناه. فلما استعمل الفعل منه جاء به على ذلك فقال : ضَفَن يَضْفِن، فضَفَن يَضْفِن على حقيقة الأمر إنما هو فَلَن يَفْلِن؛ لأن الضاد فاء والفاء لام، وعين ضيف التي هي ياء محذوفة للشبهة الداخلة هناك من حيث ذكرنا، وله نظائر.
٢ سورة هود : ١١٣.
٣ الخصائص : ١/ ٣٧٤ وما يليها.
٤ ضفن اليهم : أتاهم يجلس إليهم.
٥ الضيفن : مَن يجيء من الضيف متطفلًا.
٦ في ك : كلامهم.