ومن ذلك قراءة الأعرج :"فِي غَيَّابَاتِ الْجُبِّ"١ مشددة. وقرأ الحسن :"في غَيْبَة الجب".
قال أبو الفتح :"أما "غيَّابة " فإنه اسم جاء على فَعَّالة، وكان أبو علي يضيف إلى ما حكاه سيبويه من الأسماء التي جاءت على فَعَّال؛ وهو الجبَّار والكلَّاء، الفيَّاد٢ لذكر البوم. ووجدت أنا غير ذلك، وهو التيَّار للموج، والفخَّار للخزف، والحمَّام، والجيار : السعال، والكَرَّار : كبش الراعي.
وأما "غَيْبَة الجب" فيجوز أن يكون حدثا فَعْلَة من غِبْت، فيكون كقولنا : في ظُلمة الجب، ويجوز أن يكون موضعًا على فَعْلَة كالقَرْمَة٣ والْجَرْفَة٤.
ومن ذلك قراءة العلاء بن سيابة :"يَرْتَعِ"٥ بالياء وكسر العين، و"يَلْعَبُ" رفعًا، وقرأ :"يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ" أبو رجاء.
قال أبو الفتح : أما "يَرْتَعِ" فجزم؛ لأنه جواب "أرسله"، و"يلعب" مرفوع لأنه جعله استئنافًا؛ أي : هو ممن يعلب، كقولك : زرني أُحسنُ إليك؛ أي : أنا ممن يحسن إليك، إلا "٨٠و" أن الرفع في "أُحسن" هنا يُضعف الضمان، ألا ترى أن معناه : أنا كذلك، وليس فيه قوة معنى الإحسان إليه مع الجزم؟
وأما "يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ" فمجزومان لأنهما جوابان؛ أحدهما : معطوف على صاحبه، وهو على حذف المفعول؛ أي : يُرْتِعْ مطيته، فحذف المفعول.
وعلى ذكر حذف المفعول فما أعرَبه وأعذَبه في الكلام! ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾٦ أي : تذودان إبلهما، ولو نطق بالمفعول لما كان في عذوبة حذفه ولا في علوه. وأنشدنا أبو علي للحطيئة :
منعَّمةٌ تصون إليك منها كَصَونِك من رداءٍ شَرْعَبِيِّ٧
٢ في ك : الفباد بالباء، تحريف.
٣ القرمة بفتح القاف وكسرها : من سمات الإبل، تكون فوق الأنف.
٤ في الأصل "الجرمة"، وفي ك : الجزمة، وقد تكون الجرفة بفتح الجيم وكسرها؛ من سمات الإبل أيضًا، تكون دون الأنف.
٥ سورة يوسف : ١٢.
٦سورة القصص : ٢٣.
٧ تصون إليك : أي عندك، والشرعبي : ضرب من البرود. يريد : أنها تحفظ عندك سرها ولا تبوح بحديثها. الخصائص : ٢/ ٣٧٢، والديوان : ٣٥.