باعوه؛ أي : ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوُضع المصدر موضع اسم المفعول، كقول الله سبحانه :﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾١ أي : مصيده، وكقوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾٢ أي : المخلوق، وكقول النبي ﷺ :"الراجع في هبته..." أي : في موهوبه، وهذا الثوب نسْج اليمن، أي : منسوجه؛ وذلك أن الأفعال لا يمكننا إعادتها. ومنه قولهم : غفر الله لك عِلْمَه فيك؛ أي : معلومه. ومنه قولهم : هذا الدرهم ضَرْب الأمير؛ أي : مضروبه.
والآخر : أن تكون الباء غير زائدة للتوكيد كالوجه الأول؛ لكنها كالتي في قولك : هذا الثوب بمائة درهم، وهذا العبد بألف درهم؛ أي : هذا بهذا، فيكون معناه : ما هذا بثمن؛ أي : مثله لا يُقَوَّم ولا يُثَمَّنُ، فيكون "الشِّري" هنا يراد به المفعول به؛ أي : الثمن المشترَى به، كقولك : ما هذا بألف، وهو نفي قولك : هذا بألف، فالباء إذن متعلقة بمحذوف هو الخبر، مثلها كقولك : كُرُّ٣ البر بستين، ومنوَا٤ السمن بدرهم.
ومن ذلك ما رُوي عن عمر أنه سمع رجلًا يقرأ :"عَتَّى حِينٍ"٥، فقال : مَن أقرأك؟ قال : ابن مسعود، فكتب إليه : إن الله عز وجل أنزل هذا القرآن فجلعه عربيًّا، وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.
قال أبو الفتح : العرب تُبْدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج، كقولهم : بُحْثِر ما في القبور؛ أي : بعثر، وضبعت الخيل؛ أي : ضبحت٦، وهو يُحنْظِي ويُعَنْظِي : إذا جاء بالكلام الفاحش، فعلى هذا يكون عتَّى وحتَّى؛ لكن الأخذ بالأكثر استعمالًا، وهذا الآخر جائز وغير خطأ "٨٢ظ".
ومن ذلك قراءة ابن مسعود :"إنِّي أَرانِي أَعْصِرُ عِنَبًا"٧.
قال أبو الفتح : هذه القراءة هي مراد قراءة الجماعة :﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾؛ وذلك أن
٢ سورة الروم : ٢٧.
٣ الكر : ستة أوقار حمار، أو هو ستون قفيزًا، أو أربعون أردبًّا.
٤ المنون : مثنى المنا؛ وهو كيل أو ميزان.
٥ سورة يوسف : ٣٥.
٦ ضبحت الخيل كمنع : أسمعت من أفواهها صوتًا ليس بصهيل ولا حمحمة، أو عدت دون القريب.
٧ سورة يوسف : ٣٦.