قال أبو الفتح : روينا عن قطرب أن معنى "يُعْصَرُون" : أي يُمْطَرُون، فإن شئت أخذته من العُصْرَة والعَصَر للمَنْجَاةِ، وإن شئت أخذته من عَصَرَت السحاب ماءها عليهم.
وعليه قراءة الجماعة :﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾، فهذا من النجاة. وروينا عن ابن عباس : أي يَعْصِرون من الكرم والأدهان١، فهذا تفسير النجاة : كيف تقع بهم وإليهم؟ قال أبو زبيد :
صاديا يستغيث غير مُغَات ولقد كان عُصْرة الْمنْجُود٢
أي : نجاة المكروب.
ومن ذلك قراءة علقمة ويحيى :"رِدَّتْ إلينا٣" بكسر الراء.
قال أبو الفتح : فُعِل من ذوات الثلاثة إذا كان مضعفًا أو معتلًا عينه يجيء عنهم على ثلاثة أضرب : لغة فاشية، والأخرى تليها، والثالثة قليلة، إلا أن المضعَّف مخالف للمعتل العين فيما أذكره.
أما المضعف، فأكثره عنهم ضم أوله كشُدَّ ورُدَّ، ثم يليه الإشمام، وهو شُِدّ ورُِدّ بين ضم الأول وكسره، إلا أن الكسرة هنا داخلة على الضمة؛ لأن الأفشى في اللغة الضم. والثالث - وهو أقلها - شِدّ ورِدّ وحِلّ وبِلّ، بإخلاص الكسرة، فهذا المضعف.
وأما المعتل العين، فأقوى اللغات فيه كسر أوله، نحو : قِيلَ وبِيعَ وسِيرَ به، ثم يليه الإشمام؛ وهو أن تُدخل الضمة على الكسرة؛ لأن الكسر هنا هو الأفشى، فتقول : قُِيلَ وبُِيعَ وعُِيصَ٤، والثالث - وهو أقلها - أن تُخلص الضمة في الأول كما أخلصتَ الكسرة فيه مع التضعيف، نحو : رِدّ وحِلّ، فتصح الواو من بعدها؛ فتقول "٨٣و" : قُولَ وبُوعَ، وروينا عن محمد بن الحسن، أظنه عن أحمد بن يحيى :
وابْتُذِلَتْ غَضْبَي وأُمُّ الرِّحالْ وقُولَ لا أهلَ له ولا مالْ٥
وقال ذو الرمة :
دنا البيْنُ من ميٍّ فَرِدَّتْ جِمَالُها وهاج الهوى تَقْوِيضُها واحتمالُها٦
٢ يقوله في رثاء بن أخته، وكان مات عطشان في طريق مكة، وقيل : بل في عثمان رضي الله عنه. والمنجود : المكروب. انظر : اللسان "نجد وعصر"، وتفسير البحر : ٥/ ٣١٥.
٣ سورة يوسف : ٦٥.
٤ كذا في الأصل بالعين والصاد، والمعروف أن عوض لازم، فلعلها غيض.
٥ المنصف : ١/ ٢٥٠، واللسان "قول".
٦ يُروى :"فجاج" مكان "وهاج". وانظر : الديوان : ٥٢٢.