وآثر التحريك في الثاء عاود الضمة؛ لأنها هي الأصل لها، ولم يرتجل لها فتحة أجنبية عنها، كل ذلك جائز.
ومن ذلك قراءة عبيد الله بن زياد :"لَهُ مَعَاقِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه"١.
قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا تكسير مُعَقِّب أو مُعَقِّبَة، إلا أنه لما حذف إحدى القافين عوض منها الياء، فقال :"معاقيب"، كما تقول في تكسير مقدّم : مقاديم، ويجوز ألا تعوض فتقول : مَعَاقِب كمقادم.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس - رضي الله عنها - و عكرمة وزيد بن علي وجعفر بن محمد :"يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللهِ"٢.
قال أبو الفتح : المفعول هنا محذوف؛ أي : يحفظونه مما يحاذره بأمر الله. وأما قراءة الجماعة :﴿يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ فليس معناه أنهم يحفظونه من أمر الله أن ينزل به؛ لكن تقديره : له مُعَقِّبَات من أمر الله يحفظونه مما يخافه، فـ"من" على هذا مرفوعة الموضع؛ لأنها صفة للمرفوع الذي هو "معقبات"، ولو كانت - كما يُظن - أنهم يحفظونه من أمر الله أن ينزل به لكانت منصوبة الموضع؛ كقولك : حفِظت زيدًا من الأسد، فقولك : من الأسد، منصوب الموضع؛ لأنه مفعول حفِظت.
والذي ذكرناه في هذا رأي أبي الحسن، وما أحسنه! فأن قلت : فهلا كان تقديره : يحفظونه من أمر الله؛ أي : بأمر الله، ويُستدل على إرادة الباء هنا بقراءة علي عليه السلام :"يحفظونه بأمر الله". وجاز أن يحفظوه بأمر الله؛ لأن هذه المصائب كلها في علم الله وبإقداره فاعليها عليها، فيكون هذا كقول القائل : هربتُ من قضاء الله بقضاء الله، قيل : تأويل أبي الحسن أذهب في الاعتداد عليهم؛ وذلك أنه - سبحانه - وكَّل بهم من يحفظهم من حوادث الدهر ومخاوفه

١ سورة الرعد : ١١. وفي تفسير البحر ٥/ ٣٧٢ : وقرأ عبيد الله بن زياد على المنبر :"له المعاقب"، وهي قراءة أبي وإبراهيم، وفي الكشاف ١/ ٤٩٠ : وقرئ :"له معاقيب" كأن عبيد الله رُويت عنه قراءتان؛ أحدهما : التي ذكرها ابن جني، ورواها الكشاف من غير أن ينسبها إلى قارئها، والأخرى : التي ذكرها تفسير البحر المحيط.
٢ سورة الرعد : ١١.


الصفحة التالية
Icon