اللغة هكذا طريق صنعتها وملاءمة أجزائها وضم نَشَرِها وشتاتها، فإن لم تطبَن١ لها وتُلاقِ بين متهاجراتها بَدَّت٢ فِرقًا، وكانت حرية لو لاطفْتَها بالتعانق والالتقاء فرفقًا رفقًا، لا عُنفًا ولا خُرقًا.
ومن ذلك قراءة النبي - ﷺ - وعلى وابن عباس وأبي - رضي الله عنهم - وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد بخلاف والحسن بخلاف وعبد الرحمن بن أبي بكرة وابن أبي إسحاق والضحاك والحكم بن عتيبة، ورُويت عن الأعمش :"وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ"٣، وقرأ :"ومِنْ عِنْدِهِ" بكسر الميم والدال والهاء "عُلِمَ الكتابُ" بضم العين وفتح الميم علي وابن السميفع "٨٦ط" والحسن. وقراءة الجماعة :﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾.
قال أبو الفتح : مَن قرأ :"وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ" فتقديره ومعناه : من فضله ولطفه علم الكتاب، ومَن قرأ :"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ" فمعناه معنى الأول، إلا أن تقدير إعرابه مخالف له؛ لأن من قال :"وَمِنْ عِنْدِهِ عِلْمُ الْكِتَابِ" فـ "من" متعلقة بمحذوف، "وعلمُ الكتاب" مرفوع بالابتداء، كقوله تعالى :﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾٤. ومن قال :"وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ" فـ"من" متعلقة بنفس "عُلم"، كقولك : من الدار أُخرج زيد؛ أي : أخرج زيد من الدار، ثم قَدَّمتَ حرف الجر. وقراءة الجماعة :﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ فالعلم مرفوع بنفس الظرف؛ لأنه إذا جرى الظرف صلة رفع الظاهر لإيغاله في قوة شبهه بالفعل، كقولك : مررت بالذي في الدار أخوه.

١ كذا في ك. وطبن له كفرح وضرب : فطن. وفي الأصل "تطبق" بالقاف، وهو تحريف.
٢ بدَّت : تباعدت، وتنافرت.
٣ سورة الرعد : ٤٣.
٤ سورة البقرة : ٧٨.


الصفحة التالية
Icon