قال أبو الفتح : هو معطوف على ما سبق من قوله تعالى :﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾١ أي : قال لهم : اسْتَفْتِحُوا، ومعناه : استنصِروا الله عليهم، واستحكموه بينكم وبينهم، والقاضى اسمه الفتاح، قال الله تعالى :﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾٢ أي : تستنصروا فقد جاءكم النصر. وعليه سَمَّوا الظفر بالعدو فتحًا، ومنه الحديث أن النبي - ﷺ - كان يستفتح بصعاليك المهاجرين٣؛ أي : يستنصر بهم. وقال أحمد بن يحيى : أي يقدِّمهم ويبدأ أمره بهم، وكأنهم إنما سَمَّوا القاضي فتَّاحًا لأنه يفتح باب الحق الذي هو واقف ومنسد، فيُصار إليه ويُعمل عليه.
ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بُكَير :"فِي يَوْمِ عَاصِفٍ"٤ بالإضافة.
قال أبو الفتح : هذا على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي : في يوم ريح عاصف، وحسن "٨٧و" حذف الموصوف هنا شيئًا؛ لأنه قد أُلف حذفه في قراءة الجماعة :﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾.
فإن قيل : فإذا كان "عاصف" قد جرى وصفًا على "يوم" فكيف جاز إضافة "يوم" إليه، والموصوف لا يصاف إلى صفته؛ إذ كانت هي هو في المعنى؛ والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ ألا تراك لا تقول : هذا رُجُلُ عاقلٍ، ولا غلامُ ظريفٍ، وأنت تريد الصفة؟ قيل : جاز ذلك من حيث كان "اليوم" غير العاصف في المعنى وإن كان إياه في اللفظ؛ لأن العاصف في الحقيقة إنما هو الريح لا اليوم، وليس كذلك هذا رُجُلُ عاقلٍ؛ لأن الرجل هو العاقل في الحقيقة، والشيء لا يضاف إلى نفسه، فهذا فرق.
ومن ذلك قراءة السلمي :﴿أَلَمْ تَرْ أَنَّ اللَّهَ﴾٥ ساكنة الراء.
قال أبوالفتح : فيها ضعف؛ لأنه إذا حذف الألف للجزم فقد وجب إبقاؤه للحركة قبلها
٢ سورة الأنفال : ١٩.
٣ النهاية : ٣/ ٢٠٤.
٤ سورة إبراهيم : ١٨.
٥ السورة السابقة : ١٩.