وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} أي : اصرفني وإياهم عن ذلك، وأَجْنِبني : أي اجعلني كَالْجَنِيبِ لك؛ أي : المنقاد معك عنها.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وأبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد - عليهم السلام - ومجاهد :"تَهْوىَ"١ بفتح الواو، وقرأ "٨٨و" مسلمة بن عبد الله :"تُهوَى إليهم".
قال أبو الفتح : أما قراءة الجماعة :﴿تَهْوِي إِلَيْهِم﴾ بكسر الواو فتميل إليهم : أي تحبهم، فهذا في المعنى كقولهم : فلان يَنْحَط في هواك؛ أي : يُخلد إليه ويقيم عليه؛ وذلك أن الإنسان إذا أحب شيئًا أكثر من ذكره وأقام عليه، فإذا كرهه أسرع عنه وخف إلى سواه، وعلى ذلك قالوا : أَحبَّ البعيرُ : إذا برك في موضعه، قال :
حُلْت عليه بالقطيع ضَربَا ضرب بعير السوء إذا أَحَبَّا٢
أي : برك.
ومنه قولهم : هَوِيت فلانًا، فهذا من لفظ هَوَى الشيء يَهْوِي، إلا أنهم خالفوا بين المثالين لاختلاف ظاهر الأمرين وإن كانا على معنى واحد متلاقيين، فقراءة علي عليه السلام :"تَهْوَى إليهم" بفتح الواو؛ وهو من هَوِيتُ الشيء إذا أحببته، إلا أنه قال :"إليهم"، وأنت لا تقول : هوِيت إلى فلان؛ لكنك تقول : هويت فلانًا؛ لأنه - عليه السلام - حمله على المعنى، ألا ترى أن معنى هوِيت الشيء ملت إليه؟ فقال :"تهوَى إليهم" لأنه لاحظ معنى تميل إليهم. وهذا باب من العربية ذو غور، وقد ذكرناه في هذا الكتاب.
ومنه قول الله تعالى :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾٣، عدَّاه بإلىوأنت لا تقول : رَفَثْتُ إلى المرأة، وإنما تقول : رفثتُ بها أو معها؛ لكنه لما كان معنى الرَّفَث معنى الإفضاء عداه بإلى ملاحظة لمعنى ما هو مثله، فكأنه قال : الإفضاء إلى نسائكم، ومنه قول الله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾٤ لما كانت التوبة سببًا للعفو لاحظ معناه فقال : عن عباده، حتى كأنه قال : وهو الذي يقبل سبب العفو عن عباده، وقد أفردنا لهذا ونحوه في الخصائص بابًا٥.
٢ القطيع : السوط.
٣ سورة البقرة : ١٨٧.
٤ سورة الشورى : ٢٥.
٥ الخصائص : ٢/ ٣٠٦.