لأنه قال : عدى رضيت بعلى، كما يُعدى نقيضها وهي سخطت به، وكان قياسه : رضيت عني، وإذا جاز أن يجري الشيء مجرى نقيضه فإجراؤه مجرى نظيره أسوغ.
فهذا مذهب الكسائي، وما أحسنه! وفيه غيره على سمت ما كنا بصدده، وذلك أنه إذا رضي عنه فقد أقبل عليه، فكأنه قال : إذا أقبلَتْ عليَّ بنو قشير، وهو غور١ من أنحاء العربية طريف ولطيف ومصون وبَطين٢.
ومن ذلك قال ابن دريد٣ عن أبي حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو :"فِي قُلُوبِهِمْ مَرْضٌ"٤ ساكنة.
قال أبو الفتح : لا يحوز أن يكون "مَرْض" مخففًا من مَرَض؛ لأن المفتوح لا يخفف؛ وإنما ذلك في المكسور والمضموم كإِبِل وفَخِذ، وطُنُب وعَضُد، وما جاء عنهم من ذلك في المفتوح فشاذ لا يقاس عليه، نحو قوله :
وما كل مبتاع ولو سَلْف صفقُه يراجع ما قد فاته برِداد٥
يريد : سَلَف، فأسكن مضطرًّا، وعلى أننا قد ذكرنا هذا في كتابنا الموسوم "بالمنصف"٦، وهو شرح تصريف أبي عثمان، وهذا ونحوه قد جاء في الضرورة، والقرآن يُتخير له ولا يتخير عليه.

١ كذا في نسختي الأصل و ك، ولا يبعد أن تكون "نحو".
٢ بطين : بعيد الشاو.
٣ هو محمد بن الحسن بن دريد الإمام أبو بكر الأزدي اللغوي، صاحب الجمهرة في اللغة، والمقصورة المشهورة، روى عن عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي وأبي حاتم السجستاني وأبي الفضل الرياشي، وروى عنه أبو سعيد السيرافي والمرزباني وأبو الفتوح الأصبهاني. بغية الوعاة : ٣٠.
٤ سورة البقرة : ١٠.
٥ البيت للأخطل، رُوي "مغبون" مكان "متباع"، و"براجع" بالباء مكان "يراجع " بالياء، و"بوداد" مكان "برداد"، المبتاع : المشتري، الصفق : مصدر صفق البائع إذا ضرب بيده على يد صاحبه عند المايعة، والمراد إيجاب البيع، وضمير صفقه للمبتاع أو المغبون، والرداد بكسر الراء : مصدر راد البائع صاحبه إذا فاسخه البيع. انظر : الديوان : ١٣٧، وشرح شواهد الشافية : ١٨ - ٢١، والمنصف : ١/ ٢١.
٦ انظر : المنصف : ١/ ٢١.


الصفحة التالية
Icon