هذا أن تكون الياء في "أنبيهم" مدة إشباعًا لا حكم لها، فكأنها ليست هناك، وإذا لم تكن هناك كسرة الياء - وهي تدعو إلى كسر الهاء - فعلى أي الوجهين حملته، فكسر الهاء هو الكلام.
وأما حديث كسرها من القسمة الأولى١ - وأنت تنوي بأنبيهم التخفيف القياسي - فهو على معاملة اللفظ؛ وذلك أن الملفوظ به الآن وإن كان تخفيفًا إنما هو الياء ألبتة، فعومل لفظها معاملة نحوه ونظيره، فكُسِرَت الهاء مع هذه الياء كما تكسر في نحو : عليهم وإليهم، كما أن قول الله عز وجل :﴿لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ﴾٢ أصله : لكن أنا، فخففت الهمزة وألقيت حركتها على النون فانفتحت، فصارت في التقدير :"لكنَنَا"، فلما التقى الحرفان المثلان متحركين كُره ذلك، وإن كانت حركة النون الأولى غير لازمة من حيث كانت من أعراض التخفيف، وأجريت مجرى اللازمة، فأُسكنت الأولى وأدغمت في الثانية؛ حملًا على حاضر الحال وإجراء غير اللازم مجرى اللازم٣.
وقد كتبنا في الخصائص بابًا مفردًا في إجراء العرب غير اللازم مجرى اللازم، وإجراء اللازم مجرى غير اللازم، فاكتفينا به عن إعادته؛ لئلا يطول هذا الكتاب٤.
نعم، وإذا كانت العرب قد أجرت الحرف الصحيح في نحو هذا مجرى ما لا يعتد به حتى لم يحفلوا بلفظ، نحو قولهم : منهِم واضربهِم، فأن يجروا الياء الساكنة مجرى ذلك لخفائها، ولأن لفظها نفسها داعٍ إلى الكسر - أجدر.
وأما الرواية عن ابن عامر : أَنبئهِم" بالهمز وكسر الهاء، فطريقه أن هذه الهمزة ساكنة، والساكن ليس بحاجز حصين عندهم، فكأنه لا همزة هناك أصلًا، وكأن كسرة الباء على هذا مجاورة للهاء، فلذلك كسرت "١٣و" فكأنه على هذا قال :"أَنبهِم".
ويدل على ما ذكرناه من ضعف الساكن أن يكون حاجزًا حصينًا قولهم : قِنْيَة٥، وهي وهي من قَنَوْت، وصِبْيَة وهي من صَبَوْت، وعِلْية وهي من عَلَوْت، و عِذْي٦ وهو من قولهم : أَرَضُون عَذَوات، وبِلْيُ سفر لقولهم في معناه : بِلْوُ، وهو من بلوت، ومنه ناقة عِلْيَان٧ وهي من علوت، ودَبَّة٨ مهيار وهو من تهور، وفلان قِدْيَة في هذا الأمر وهو من القِدْوة، وأصله
٢ سورة الكهف : ٣٨.
٣ الخصائص : ٣/ ٩٢.
٤ انظر المصدر السابق : ٨٧ وما بعدها.
٥ القنية : الكسبة؛ أي الكسب.
٦ العذي والعذاة : الأرض الطيبة التربة الكريمة المنبت التي ليست بسبخة.
٧ ناقة عليان : طويلة جسيمة.
٨ الدبة : الكثيب من الرمل.