يريد : المنازل. وقال علقمة :
مُفدَّم بسَبَا الكَتان مَلْثُومُ١
أراد : بسبائب٢، وهو كثير، ونكره الاستكثار من الشواهد والنظائر؛ تحاميًا لطول الكتاب.
ومن ذلك قراءة الزهري :"وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوَفِّ بِعَهْدِكُمْ"٣ مشددة.
قال أبو الفتح : ينبغي - والله أعلم - أن يكون٤ قرأ بذلك؛ لأن فَعَّلت أبلغ من أفعلت؛ فيكون على "أوفوا بعهدي" أبالغ في توفيتكم؛ كأنه ضمان منه سبحانه أن يعطي الكثير عن القليل، فيكون ذلك كقوله سبحانه :﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾٥، وهو كثير.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن :"يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ"٦.
قال أبو الفتح : وجه ذلك أن فعَلت بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير؛ وذلك لدلالة الفعل على مصدره، والمصدر اسم الجنس، وحسبك "١٥ظ" بالجنس سَعَة وعمومًا، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان :
وكنتَ أذلَّ من وتِد بقاعٍ يشجِّجُ رأسه بالفِهْرِاوجِي٧
ولم يقل : مُوجِّئ، فكأنه قال : يشجج رأسه بالفهر شاج؛ لأن واجئ فاعل كشاج. وأنشد أبو الحسن :
أنت الفداء لقِبْلَة هدَّمتَها ونقرتَها بيديك كلَّ مُنَقَّر
كأن إبريقهم ظبي على شرف
مفدم : على فمه خرقة، من صفة الإبريق على الاستئناف، ورُوي "مرثوم" مكان "ملثوم" من رثم أنفه؛ أي : كسره. وانظر : المفضليات : ٤٠٢، والخصائص : ١/ ٢٨١، ٢/ ٤٣٧، الكامل : ٢/ ٦٩.
٢ السبائب : جمع سبيبة؛ وهي الشقة البيضاء من الثوب.
٣ سورة البقرة : ٤٠.
٤ في ك : قد قرأ.
٥ سورة الأنعام : ١٦٠.
٦ سورة البقرة : ٤٩.
٧ البيت من قصيدة هجا بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، وكان ابن الحكم قد افتخر على ابن حسان بأن الخلفاء منا لا منكم، وأن الخلافة في قريش، وبنوة أمية منهم، وابن حسان من الأنصار، والأنصار هم الأوس والخزرج، وهم من أزد غسان من عرب اليمن قحطان.
والقاع : المستوي من الأرض، والفهر بكسر الفاء : الحجر ملء الكف، الواجي : الذي يدق اسم فاعل من وجأت عنقه إذا ضربته، وفي أمثال العرب : أذل من وتد بقاع. وانظر : الكتاب : ٢/ ١٧٠، والخصائص : ٣/ ١٥٢، وشرح شواهد الشافية : ٣٤٣.