قولين؛ أحدهما : أنه كأنه قال : هالكِ المتعرجين، والآخر : هالكِ مَن تعرجا؛ أي : مهلك من تعرج١، فتقول على هذا : أصبحت ذا مال مهلوك، وهلكه الله يهلِكه هُلكًا. وإذا كانت كذلك، وكانت هبط هنا قد تكون متعدية، فقراءة الجماعة :"لما يَهْبِطُ" بكسر الباء أقوى قياسًا من يهبُط؛ لأن معناه لما يهبِط مبصرَه ويحطه من خشية الله.
ومن ذهب فيه إلى أن يهبط هنا غير متعد فكأنه قال : وإن منها لما لو هبط شيء غير ناطق من خشية الله لهبط هو، لا أن غير الناطق تصح منه الخشية؛ ألا ترى أن قوله :
لها حافِرٌ مثل قُعب الوليـ ـد تتخذُ الفار فيه مَغَارا
أي : لو اتخذت فيه مغارًا لغوره وتقعبه لوسعها وصلح لها، لا أنها هي تتخذ ألبتة.
ومثله مسألة الكتاب : أَخَذَتْنَا بالْجَودِ٢ وفوقَه؛ أي : لو كان فوق الجود شيء من المطر لكانت قد أخذتْنا به.
وكلام العرب لمن عرفه، ومَن الذي يعرفه؟ ألطف من السحر، وأنقى ساحة من مشوف الفكر، وأشد تساقطًا بعضًا على بعض، وأمس تساندًا نفلًا إلى فرض.
ومن ذلك قراءة الأعمش :"يَسْمَعُونَ كَلِمَ اللَّهِ"٣.
الكلام كل ما استقل برأسه؛ أعني : الجمل المركبة، نحو : قام محمد، وأبوك منطلق. وقد فَصَلْنَا في أول باب من الخصائص٤ بين الكلام والقول، وأن كل كلام قول، وليس كل قول كلامًا.
فأما الكلم فلا يكون أقل من ثلاث، وذلك أنه جمع كلمة كثَفِنَة٥ وثَفِن، ونَبِقَة ونَبِق، وسَلِمَة٦ وسَلِم؛ ولذلك ما٧ اختاره صاحب الكتاب على الكلام، فقال : هذا باب علم ما الكلم من العربية، ولم يقلك : ما الكلام؛ وذلك لأن الكلام كما قد يكون فوق الاثنين فكذلك أيضًا قد يكون اثنين، وسيبويه إنما أراد هنا٨ ثلاثة أشياء :
٢ الجود : المطر الغزيز أو ما لا مطر فوقه.
٣ سورة البقرة : ٧٥.
٤ انظر : الخصائص : ١/ ٥.
٥ من معاني الثفنة : الركبة.
٦ السلمة : الحجر.
٧ ما زائدة.
٨ في ك : وسيبويه هنا.