فهذا من آيدته؛ أي : قويته؛ لأنه مُفعَل كمُكْرَم ومُقتَل١ ومُؤدَم٢، ولو كان آيدتك - كما ظن ابن مجاهد فاعلتك - لكان اسم المفعول منه مُؤايَد كمقاتَل ومضارَب؛ ولكن قراءة من قرأ :"آتَيْنَا بِهَا" فاعلنا٣، ولو كان أفعلنا لما احتاج إلى حرف الجر؛ لأنه إنما يقال : أتيت زيدًا بكذا وآتيته؛ كقولك : أعطيته كذا، فكذاك لو كان آتينا أفعلنا لكان آتيناها كقولك : أعطيناها، أنت لا تقول : آتيته بكذا، كما لا تقول : أعطيته بكذا، فقوله في تلك القراءة :"آتيناها" كقولك : حاضرنا بها، وشاهدنا بها، وهذا واضح.
ومعنى قول "١٩ظ" أبي علي : لو جاء آيدتك على ما يجب في مثله من إعلال عين أفعلت إذا كانت حرف علة فأقمت زيدًا وأشرته وأبعته - أي : عرضته للبيع - لتتابع فيه إعلالان؛ لأن أصل آيدت : أَأْيدت، كما أن أصل آمن : أَأْمن، فانقلبت الهمزة الثانية ألفًا لاجتماع الهمزتين في كلمة واحدة، والأولى منهما مفتوحة والثانية ساكنة، فهي كآمن وآلف، وفي الأسماء نحو : آدم وآدر٤.
فكان يجب أيضًا أن تلقى حركة العين على الفاء وتحذف العين، فكان يجب على هذا أن تقلب الفاء هنا واوًا؛ لأنها قد تحركت وانفتح ما قبلها، ولَا بُدَّ من بدلها لوقوع الهمزة الأولى قبلها، كما قلبت في تكسير آدم أوادم، فكان يلزم على هذا أن تقول : أَوَدتُه كأَقَمْتُه وأدرته، فتحذف العين كما ترى، وتقلب الفاء التي هي في الأصل همزة واوًا فتعتل الفاء والعين جميعًا، وإذا أدى القياس إلى هذا رُفض، وكثر فيه فعَّلْتُ أيدت ليؤمن ذانك الاعتلالان، فلما استُعمل شيء منه جاء قليلا شاذًّا؛ أعني : آيدت.
وإذا كانوا قد أخرجوا عين أفعلت، وهي حرف علة على الصحة نحو قوله :
صددت فأَطولتِ الصدود٥
وقولهم : أغيلت٦ المرأة، وأغيمت السماء، وأَخْوصَ الرِّمثُ٧، وأعوز القوم،
٢ من آدم الخبز؛ أي خلطه بالأدم.
٣ في ك : فاعلناها، و"آتينا بها" في سورة الحج : ٧٤، وفي الكشاف : أنها قراءة ابن عباس ومجاهد.
٤ الآدر : من يصيبه فتق في إحدى خصيتيه.
٥ هذا بعض قوله :
صدد فأطولت الصدد وقلما وصال علي طول الصدود يدوم
وينسبه في الكتاب إلى عمر بن أبي ربيعة، ولم نثعر عليه في ديوانه، وينسبه الأعلم والبغدادي إلى المرار الفقعسي. وانظر : الكتاب : ١/ ١٢، ٤٥٩، والخصائص : ١/ ١٤٣، ٢٥٧، والمنصف ١/ ١٩١، والخزانة ٤/ ٢٨٧.
٦ أغيلت المرأة ولدها : سقته الغيل؛ وهو اللبن ترضعه المرأة ولدها وهي حامل.
٧ أخوص الرمث : تفطر بورق، والرمث : واحدته رمثة؛ وهو شجر من الحمض.