وَقَدْ عَلِمَ الأقْوَامُ ما كانَ دَاءَهَا بِشَهْلَانَ إلَّا الخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُهَا١
وأنه إنما اختير فيه رفع "الخزي" وإن كان مظهرا ومعرفة، كما أن داءها مظهر ومعرفة من حيث٢ أذكره لك، وذلك أن "إلا" إذا باشرت شيئا بعدها فإنما جيء٣ به لتثبيته وتوكيد معناه، وذلك كقولك : ما كان زيد إلا قائما، فزيد غير محتاج إلى تثبيته، وإنما يثبت له القيام دون غيره. فإذا قلت : ما كان قائما إلا زيد، فهناك قيام لا محالة، فإنما أنت نافٍ أن يكون صاحبه غير زيد، فعلى هذا جاء قوله : ما كان داءها بشهلان إلا الخزيُ برفع "الخزيُ"، وذلك أنه قد كان شاع وتُعُولِمَ أن هناك داء، وأنما أراد أن يثبت أن هذا الداء الذي لا شك في كونه ووقوعه لم يكن جانيَه ومسببَه إلا الخزيُ ممن يقودها، فهذا أمرٌ الإعرابُ فيه تابعٌ لمعناه ومحذوّ على الغرض المراد فيه. وأما قوله :
وليس الذي يجري من العينِ ماءَها ولكِنَّها نَفْسٌ تَذُوبُ فتقْطُرُ٤ [١١٤و]
ويروى :"ولكنه" فالوجه فيه نصب الماء، وذلك أنه رأى ماء يجري من العين فاستكثره واستنكره، فقال : ليس هذا الذي أراه جاريًا من العين ماءً للعين، وإنما هو هكذا وشيء غير مائها٥. هذا هو الذي عناه فعبر عنه بما تراه، ولم يعنه الإخبار عن ماء العين فيخبر عنه بأنه هذا الشيء الجاري من العين؛ فذلك اختار نصب الماء، ولو رفعه لجاز؛ لأنه كان يعود إلى هذا المعنى، لكنه كان يعود بعد تعب به، ومسامحة فيه، وعلاج يريد حمله عليه.
ومن ذلك قراءة قتادة :"أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مِفْتَاحَهُ"٦، مكسورة الميم بألف.
قال أبو الفتح :"مِفْتَاحَهُ" هنا جنس وإن كان مضافا، فقد جاء ذلك عنهم، منه قولهم : قد مَنَعَتِ العراقُ قفيزَها ودِرْهَمَهَا، ومنعْتْ مِصْرُ إِرْدَبَّها، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى٧.

١ يصف كتيبة هزمت لجبن قائدها. وانظر الكتاب : ١ : ٢٤.
٢ حذف الجواب "فأما" للعلم به، أي : فيتبين مثلا.
٣ سقطت "جيء به" في ك.
٤ لأبي حية النميري. ويروى "دمعها" مكان "ماءها". وانظر سمط اللآلي : ٢٦٥.
٥ في ك : ما بها، وهو تحريف.
٦ سورة النور : ٦١.
٧ انظر الصفحة ٨٧ من هذا الجزء.


الصفحة التالية
Icon