مِثلُ القنافِذِ هَدّاجُونَ قدْ بَلَغَتْ نجرانَ أو بَلَغَتْ سَوْاءَتِهِمْ هَجَرُ١
أراد : وبَلَغَتْ سوءاتُهُم هجرا، ومثله قولهم :
أسلَمُوها في دمشْقَ كَمَا أسلمَتْ وحشيَّةٌ وَهَقَا٢
أي : كما أسلم وهق وحشية، ومنه قوله :
ما أمسكَ الحبلَ حافِره٣
أي : ما أمسَكَ الحبْلُ حافِرَهُ.
وليس ممتنعا أن يكون قوله :﴿اكتَتَبَهَا﴾ كتبها وإن لم يلِ ذلك بيده، إلا أنه لما كان عن رأيه أو أمره نسب ذلك إليه، كقولنا : ضرب الأمير اللص وإن لم يله بيده. وفي الحديث :"من اكتتب ضمنا كان له كذا"٤، أي : زمنا، يعني كتب اسمه في الفرض.
فعلى هذا يكون "اكْتُتِبهَا" أي : اكْتُتِبَتْ لَهُ.
ومن ذلك قراءة عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان :"وَيَجْعَلَ لَكَ"، بالنصب.
قال أبو الفتح : نصبه على أنه جواب الجزاء بالواو، كقولك : إن تأتني آتك وأُحْسِنَ إليك. وجازت إجابته بالنصب [١١٤ظ] لما لم يكن واجبا إلا بوقوع الشرط من قبله وليس قويا من ذلك، ألا تراه بمعنى قولك : أفعلُ كذا إن شاء الله؟

١ في ديوان الأخطل "١١٠" يهجو بني يربوع رهط جرير :
قوم أنابت إليهم كل مخزبة وكل فاحشة سبت بها مضر
على العيارات هداجون قد بلغت نجران أو حدثت سوءاتهم هجر
والعيارات : جمع عير، وهو الحمار. والهدجان محركة : مشى ضعيف. ويضرب المثل بالقنفذ في سرى الليل. يقول : إن قوم جرير يسرون كما تسري القنافذ للسرقة والفجور.
٢ الوهق، محركة ويسكن : الحبل يرمى في أنشوطة فتؤخذ به الدابة والإنسان، وانظر ديوان الحطيئة : ١٨٧، والتمام : ١٨٠.
٣ انظر التمام : ١٨١.
٤ في اللسان "ضمن" : وفي حديث عبد الله بن عمر :"من اكتتب ضمنا بعثه الله ضمنا يوم القيامة".
أي : من سأل أن يكتب نفسه في جملة الزمنى ليعذر عن الجهاد، ولا زمانة - بعثه يوم القيامة زمنا. واكتتب : سأل أن يكتب في جملة المعذورين، وخرجه بعضهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص.


الصفحة التالية
Icon