مقامه، فنصبه على المصدر، كما ينصب الاصطفاف أو ظهر، وكذلك ما رويناه عن محمد بن الحسن عن ابن الأعرابي من قوله :
وطَعْنَةِ مُسْتَبْسِلٍ ثَائِرٍ يَرُدُّ الكَتِيبَةَ نِصْفَ النَّهارِ١
أي ردّ نصف النهار ألا ترى أن ابن الأعرابي فسره فقال : يرد الكتيبة مقدار نصف يوم، فهذا يدلك على أنه أراد : يردُّ الكتيبة ردّ نصف النهار، أي : الرد الذي يمتد وقته بمقياس ما بين أول النهار إلى نصفه، وذلك نصف يوم. وليس يريد أنه يردها في هذا الوقت البتة، وإنما يريد أنه يردها مقدار نصف النهار، كان ابتداء ذلك في أول النهار أو غيره من نهار أو ليل، وكأنه قال : يرد الكتيبة ست ساعات، فهذا لا يخص نهارا من ليل، فبهذا يعلم أنه لا يريد : يردها في وقت انتصاف النهار دون ما سواه من الأوقات.
وكذلك :"وَنُزِل الْمَلائِكَةُ"، أي نزل نزول الملائكة. ولو سمى الفاعل على هذا التقدير لقيل : نَزَلَ النازلُ الملائكةَ، فنصب الملائكة انتصاب المصدر، كما نصب الجدار انتصاب المصدر، لأن كل مضاف إليه يحذف مِنْ قَبْله ما كان مضافا إليه فإنه يعرَب إعرابه، لا زيادة عليه ولا نقص منه.
فإن قيل : فما معنى : نُزِل نزولَ الملائكة، حتى يصح لك تقديره مثبتا ثم تحذفه؟ فإنه على قولك : هذا نُزولٌ منزول، وهذا صعودٌ مصعود، وهذا ضرب مضروب. وقريب منه قولهم :"١١٥ظ" قد قيل فيه قول، وقد خيف منه خوف. فاعرف ذلك؛ فإنه أمثل ما يحتج به لقراءة من قرأ :"وَنُزِلَ الْمَلائِكَة
"، بتخفيف٢ الزاي، فاعرفه.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب "كرم الله وجهه" ومسلمة بن محارب :"فَدَمِّرانِّهمْ تدْمِيرًا"٣. حكى أبو عمرو عن علي أنه قرأ :"فَدَمِرْناهم"، بكسر الميم مخففة، وحكى عنه أيضا :"فَدَمِّرا بهم"، بالباء على وجه الأمر.
قال أبو الفتح : الذي رويناه عن أبي حاتم أنه حكاها قراءة غيرَ معزُوَّة إلى أحد :"فَدَمِّرانِّهمْ تدْمِيرًا"، وقال : كأنه أمر موسى وهارون عليهما السلام أن يدمّراهم.
٢ سقط في ك :"بتخفيف الزاي" :
٣ سورة الفرقان : ٣٦.