فأما قوله تعالى :[١١٧و] :﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُون﴾ فإنه على حذف المضاف، وتقديره : هل يسمعون دعاءكم؟ ودل عليه قوله :﴿إِذْ تَدْعُون﴾، ويقول القائل لصاحبه : هل تسمع حديث أحد؟ فيقول مجيبا له : نعم أسمع زيدا، أي : حديث زيد. ودل قوله :"حديث أحد" عليه، فإن لم تدل عليه دلالة لم يجز الاقتصار على المفعول الواحد. لو قلت سمعت الطائر لم يجز؛ لأنه لا يعلم أسمعت جرس طيرانه أو سمعت صياحه على اختلاف أنواع الصياح؟ فهذا مثال يقتاس عليه، ويردُّ نحوُهُ - إذا أشكل - إليه.
ومن ذلك قراءة قتادة :"لَعَلَّكُمْ تُخْلَدُونَ"١.
قال أبو الفتح : خَلَد الشيءُ، أي : بقي، وأخلدته وخلَّدته، وأخلدت إلى كذا : أي أقمت عليه ولزمته، والخلود لا يكون في الدنيا، وقال قوم٢ : أُخْلِدَ الرجلُ : إذا أبطأ عنه الشيب. وقد يقال في هذا أيضا : أَخْلَدَ، والخُلْدُ : الفأرة العمياء، ويقال : الخلد : السوار٣، ويقال : القرط. ودار الخلود، يعني الجنة، وقال أحمد بن يحيى : الخلد : داخل القلب، وقول امرئ القيس :
وَهَلْ يَنْعَمًا إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدُ٤؟
يعني به من يلبس الخلد : السوار أو القرط، أي : الصبي أو الصبية، يدل عليه قوله :
قَلِيلُ الهمُومِ ما يَبِيتُ بِأَوْجَالِ
وقد مر به شاعرنا٥ فقال :
تَصْفُو الحياةُ لِجَاهِلٍ أوْ غَافِلٍ عَمّا مَضَى منها وَما يُتَوَقَّعُ
وقال رؤبة في معناه :
وقَدْ أَرَى واسِعَ جَيْبِ الْكُمِّ أَسْفَرُ مِنْ عَمامَةِ الْمُعْتَمِّ
٢ سقطت "قوم" في ك.
٣ في ك : السواق، وهو تحريف.
٤ عجزه :
قليل الهموم ما يبيت بأوجال
وانظر الديوان : ٢٧
٥ هو أبو الطيب المتنبي، والبيت من قصيدة في رثاء أبي شجاع فاتك. وانظر الديوان : ٤٠٥.