ومن ذلك قراءة أبي رجاء وعيسى الثقفي :"عِفْريَةٌ"١.
قال أبو الفتح : هو العفريت. يقال : رجل عِفْريَةٌ نِفْريَةٌ إتباعا : إذا كان خبيثا داهيا. وقالوا : تَعَفْرَتَ الرجلُ : إذا صار عفريتا، أي : خبيثا. وهذا مثال غريب؛ لأن وزنه تَفَعْلَتَ، ونحوه من المُثُل الغريبة في الفعل قولهم : يَرْنَأَ الرجُلُ لِحْيَتَهُ : إذا صَبَغَها باليُرْنَاء، وهو الحناء. فيَرْنَأَ على ما ترى يَفْعَلَ٢، ومضارعه يُيَرْنِئ يُيَفْعِلُ، واسم الفاعل مُيَرْنِئ، وهو مُيَفْعِل.
وأصل العفريب من العَفْر، وهو التراب، كأنه يختِل قِرْنَه فيصرعه إلى العَفْر، ومنه قيل للأسد : عَفَرْني، وللناقة الشديدة : عفرناة. وقال الأعشى :
بِذاتِ لَوْثٍ عَفْرَنَاةِ إذَا عَثَرَتْ فَالنَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ : لَعَا٣
ومنه عِفْرِيَةُ الرأس : للشعر الذي عليه؛ وذلك لأن قُصَارَاه أن يُحْلَقَ فيصير إلى التراب، أو يصير تُرَابًا. ومنه اليَعْفُور. لولَدِ الظبية؛ لأنه لصغَرِه ما٤ يلزق بالتراب، أو لأن لونه لون التراب. ومنه ليث عِفِرِّينَ؛ لأنه دابة يلزم التراب.
ومن ذلك قراءة الحسن :"فَمَا كَانَ جَوَابُ قَوْمِهِ"٥، يرفع الباء.
قال أبو الفتح : أقوى من هذا "جَوَابَ قَوْمِهِ" بالنصب، ويجعل اسم كان قوله :﴿أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ﴾ : لشبه أن بالمضمر. من حيث كانت لا توصف كما لا يوصف. والمضمر٦ أعرف من هذا المظهر، وقد تقدم القول في ذلك٧.
٢ أورده صاحب القاموس في "يرنأ"، ونبه في "رنأ" على أنه في الياء.
٣ قبله :
كلفت مجهولها نفسي وشايعني همي عليها إذا ما آلها لمعا
وشايعني : أعانني. والآل : السراب. واللوث : القوة. والعفرناة : الغول، شبه بها ناقته. والتعس : الضعف، ولعًا له : دعاء للعاثر بأن ينتعش، أي : سلمت، ونجوت. وانظر الديوان : ١٣.
٤ "ما" زائدة.
٥ سورة النمل : ٥٦، وفي الأصل :"فَمَا كَانَ جَوَابَ.."، وهو تحريف.
٦ في ك : المضمر، سقط.
٧ انظر الصفحة ١١٥ من هذا الجزء.